يضبط هرمون المتعة والإدمان! تعرف على صيام الدوبامين الذي ظهر في عصر التكنولوجيا

يضبط هرمون المتعة والإدمان! تعرف على صيام الدوبامين الذي ظهر في عصر التكنولوجيا

الدوبامين هو هرمون ينتجه دماغنا. يكمن إدمان الدوبامين في جذور العديد من المشاكل والإدمان التي يصعب حلها في حياة الإنسان اليوم.

في الوقت الذي تسيطر فيه التكنولوجيا على كافة نواحي حياتنا، ظهر مصطلح “صيام الدوبامين”، على الساحة العالمية، مؤخرا، وانتشر، أولا بين العاملين في قطاع التكنولوجيا الأميركي في “وادي السيليكون”.

يعتمد “صيام الدوبامين” على الامتناع عن أي تجربة تجلب المتعة، باعتباره طريقة فعالة للتغلب على العادات الإدمانية التي يمارسها المرء يوميا -خاصة التكنولوجية منها- وتؤدي إلى الاكتئاب وفقدان للشغف والشعور بالرتابة والملل المستمر.

السعي إلى السعادة وليس الشعور بها

الدوبامين، في الأساس هو نوع من الناقلات العصبية يصنعها الجسم، لتوصيل الرسائل بين الخلايا العصبية، لهذا السبب يطلق عليه “رسول كيميائي”. وهو أيضا الهرمون المسؤول عن الشعور بالرغبة والحافز على بذل الجهد للوصول إلى الأهداف وكسب المكافآت، بحسب “لايف ساينس” (Livescience).

أما مصطلح “هرمون السعادة” فهو مصدر شائع لفهم خاطئ عن طريقة عمل الدوبامين، باعتباره الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على المكافأة ويكون سبب الشعور بالسعادة، بينما في الحقيقة دور الدوبامين الأكبر في الشعور بالرغبة والحافز وليس السعادة والإشباع.

ولذلك يفرز المخ الدوبامين قبل الحصول على المكافأة وليس بعدها، بمعنى أن مخ الشخص الجائع يفرز الدوبامين عندما يرى الطعام، لتحفيزه على تناول الطعام، حتى يحصل على جائزة الشعور بالشبع.

 

الدوبامين وعتبات المتعة

يرتبط مقدار الدوبامين الذي يفرزه المخ بمدى سرعة الحصول على المكافأة ومقدار الجهد المطلوب للحصول عليها.

وكلما كان الحصول على المكافأة أسرع وبجهد أقل، كان إفراز الدوبامين أكبر، ويرتبط ذلك بشكل أساسي بعدد من السلوكيات التي قد تستجيب لسرعة إفراز الدوبامين كالأكل، والمقامرة، والتسوق، والجنس، ومسببات الإدمان بأنواعها، وفقا لـ”هارفارد هيلث” (Harvard health).

جميع الأفعال السابقة يحصل منها الشخص على مكافأة سريعة وبجهد قليل، فبمجرد بدء الفعل يحصل على المكافأة في شكل الطعم اللذيذ أو التسلية والمتعة.

في حين أفعال أخرى، كالعمل، والمذاكرة وحتى الأنشطة الرياضية تكون فيها المكافأة مؤجلة والجهد المبذول أكبر، حينها يفرز المخ مقدارا أقل من الدوبامين، لكنه كافٍ للقيام بالعمل.

التوازن في إفراز الدوبامين أمر ضروري وأساسي في صحة العقل والجسد، ويؤدي إفراز الكثير أو القليل منه إلى مجموعة واسعة من المشكلات الصحية والنفسية.

عند إفراز الدوبامين بكثرة وباستمرار يعتقد، وقتها، الجسد أن ما يفرز بكثرة هو المقدار الطبيعي، كما يحدث في حالات الإدمان وتعاطي المخدرات.

ومع الاستخدام المتكرر للمخدرات يرفع عتبة هذا النوع من المتعة، مما يعني أن الشخص يظل في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد وزيادة الجرعة باستمرار للحصول على المستوى العالي نفسه من النشوة الذي كان يحصل عليه في البداية. وفي الوقت نفسه، تجعل الأفعال، التي يدمنها الشخص، الجسم أقل قدرة على إنتاج الدوبامين بشكل طبيعي، ويصبح الإحساس بالرغبة والحافز تجاه الأشياء الضرورية كالتعلم أو العمل أقل مما هو عليه.

فلسفة “الصوم”

مع التطور التكنولوجي المستمر، يحصل الإنسان يوميا على قدر هائل من المحفزات التي تؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من “الدوبامين”.

الأمر الذي جعل الطبيب النفسي الأميركي “كاميرون سيباه”، يبتكر ما يسمى بـ”صيام الدوبامين”، وتعتمد فلسفته على الامتناع عن أي تجربة ممتعة، خاصة التكنولوجية، لمدة قد تصل إلى 24 ساعة، حتى يتخلص الجسم من إفراز الدوبامين بكثرة ويعيد للشخص الشعور بالمتعة والسعادة عند تصفح التكنولوجيا من جديد بعد فترة الانقطاع.

تصحيح المفاهيم

فور قيام “سيباه” بنشر دليل لممارسة “صيام الدوبامين” على موقع “لينكد إن” (LinkedIn)، تناقلت وسائل الإعلام العالمية الأمر، وأثير الكثير من اللغط حوله، وسوء الفهم.

وتحول الأمر إلى موضة في “وادي السيليكون”، ومارسه البعض بشكل متطرف، فانعزل البعض عن التحدث مع الآخرين والاتصال بالعين وحتى تجنب الشوارع المزدحمة، لتجنب أي نوع من المتعة.

حينها قرر “سيباه” إعادة التوضيح وتصحيح المفاهيم، منبها إلى أن العنوان لا ينبغي أن يؤخذ حرفيا، وأن مصطلح “صيام الدوبامين” هو تبسيط مفرط، لأن الدوبامين واحد فقط من العديد من المواد الكيميائية في الدماغ التي تشارك في الاستجابة للمنبهات، وفقا لما جاء في “آدفيسوري” (Advisory).

وللتغلب على سوء الفهم والتطرف الذي مارسه بعض مؤيدي ما يطلق عليه “صيام الدوبامين”، عدّد “سيباه” الفهم والممارسات الخاطئة لـ”صيام الدوبامين”:

تقليل الدوبامين

يذهب البعض للتحدث عن تقليل الدوبامين، وهو أمر خاطئ، فالهدف الفعلي هو التركيز على تقليل السلوك الاندفاعي، وليس الصوم عن الدوبامين ذاته لأنه لا يمكن أن يحدث.

الامتناع عن كل المحفزات

التركيز، فقط، على السلوكيات التي تمثل مشكلة بالنسبة لك.

عدم التحدث أو ممارسة الرياضة

في الواقع يشجع “الصيام” السلوكيات الصحية والاجتماعية وليس العكس.

التأمل والزهد

لا يتضمن “صوم الدوبامين” التأمل أو عدم العمل.

العطلة

ولا يتضمن العطلة لأن الأشخاص يتعاملون مع العطلات على أنها أوقات للانغماس أكثر في العادات السيئة.

دليل الممارسة

قد لا يستطيع البعض ممارسة “صيام الدوبامين”، ولا يملك الآخرون قوة إرادة تمكنهم من ذلك، لذا وضع “سيباه” في دليله المنشور على “لينكد إن” عدة طرق للتحكم في المحفزات الخارجية التي تساعد في ممارسة تلك العادة، ومنها:

وضع الحافز، كالهاتف، بعيدا أو جعل الوصول إليه أكثر صعوبة.

الانخراط في نشاط بديل لا يتوافق مع الحافز “بمعنى أنه لا يمكن ممارسة الرياضة وتناول الطعام في الوقت نفسه”.
استخدام برامج حظر مواقع التواصل الاجتماعية أو الألعاب الإلكترونية لمنع نفسك من الغش.

وقد يحتاج الأمر إلى بعض الالتزام من أجل التعافي واستعادة بعض المرونة السلوكية حتى لا تكون مندفعا طول الوقت، وهو ما جعل سيباه يقترح جدولا زمنيا للـ”صيام” وليس قواعد صارمة، يمكن للشخص البدء بساعة واحدة يوميا، يتجنب فيها السلوك الإدماني، وصولا إلى 4 ساعات، حسب متطلبات العمل والأسرة.