ترجمة خطبة الجمعة في عموم الولايات التركية تحت عنوان التقوى والحياء والستر التاريخ 16.09.2022

ترجمة خطبة الجمعة في عموم الولايات التركية تحت عنوان التقوى والحياء والستر

التَّارِيخُ: 2022.16.09

اَلتَّقْوَى وَالْحَيَاءُ وَالسَّتْرُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَاطِبُنَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَيَقُولُ:”يَا بَن۪ٓي اٰدَمَ قَدْ اَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَار۪ي سَوْاٰتِكُمْ وَر۪يشاً۠”[1]

إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تُخْبِرُنَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالنِّعَمِ الَّتِي تُلَبِّي اِحْتِيَاجَاتِنَا مِنَ اللِّبَاسِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ شَاكِرِينَ لَهُ. وَيُشِيرُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ إِلَى أَنَّ اِرْتِدَاءَ الْمَلَابِسِ هُوَ أَصْلُ الْجَمَالِ وَالْأَنَاقَةِ. وَيُكْمِلُ الْآيَةَ السَّابِقَةَ وَيَقُولُ: “وَلِبَاسُ التَّقْوٰى ذٰلِكَ خَيْرٌۜ ذٰلِكَ مِنْ اٰيَاتِ اللّٰهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.”[2]

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى هُوَ الْإِيمَانُ وَالْأَدَبُ. وَلِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ إِدْرَاكُ مَعْنَى الثَّوْبِ الَّذِي يُغَطِّي الْبَدَنَ. وَلِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ اِكْتِشَافُ الْغَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنَ السَّتْرِ. وَلِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ الْوَعْيُ بِالْعَيْشِ الْفَاضِلِ وَذَلِكَ بِالِابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْأَخْطَاءِ الَّتِي تَضُرُّ بِالْجَسَدِ وَتُؤْذِي النَّفْسَ. وَبِمَا أَنَّ السَّتْرَ هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَنْ نَتَقَبَّلَ نَصِيحَةَ رَبِّنَا جَلَّ جَلَالُهُ.

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ بِهَيْكَلٍ فَرِيدٍ لَا نَظِيرَ لَهُ. وَهَذَا الْهَيْكَلُ الَّذِي نُطْلِقُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ جَاهِزٌ لِلتَّوَجُّهِ نَحْوَ كُلِّ مَا هُوَ جَيِّدٌ وَجَمِيلٌ وَمُفِيدٌ. وَهُوَ قَبُولٌ فِطْرِيٌّ مُنْذُ الْوِلَادَةِ بِأَنَّ الْجَسَدَ مُحَصَّنٌ لَا يَمَسُّ، وَأَنَّ اللِّبَاسَ حَقٌ وَجَمَالٌ. وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ هُوَ حَالُ أَوَّلُ إِنْسَانٍ، سَيِّدِنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَزَوْجَتِهِ، فِي الْجَنَّةِ.فَعِنْدَمَا نَسُوا أَمْرَ اللَّهِ وَذَاقَا الشَّجَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِمْ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ.[3] وَسَبَبُ هَذَا الْخَجَلِ هُوَ شُعُورُ الْحَيَاءِ الْمَوْجُودِ فِي فِطْرَتِهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ الْحَيَاءَ هُوَ اِمْتِنَاعُ الْإِنْسَانِ عَنْ فِعْلِ كُلِّ شَيْءٍ قَبِيحٍ، وَالْخَجَلُ مِنْ اِرْتِكَابِ الْمَعَاصِي. وَالْحَيَاءُ هُوَ جَوْهَرُ الْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَالْحَيَاءُ هُوَ دَعْوَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ مُوَجَّهَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ مُنْذُ التَّعَالِيمِ النَّبَوِيَّةِ الْأُولَى. وَأَعْظَمُ حِكْمَةٍ مِنْ حِكَمِ السَّتْرِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ ضَرُورَةُ الْحَيَاءِ أَمَامَ الْعِبَادِ وَأَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلِهَذَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ…”[4]فَاَلْحَيَاءٌ هُوَ مَعْرِفَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مَعَنَا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَلَّا نَفْعَلَ أَشْيَاءً مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَجْعَلَنَا نَسْتَحِي أَمَامَهُ. وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِنَّ لِلسَّتْرِ مَعْنًى وَقِيمَةً إِلَهِيَّةً. فَالسَّتْرُ يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْسَى الْقُدْرَةَ الْإِلَهِيَّةَ الَّتِي تَرَاهُ وَتَسْمَعُهُ وَتَحْمِيه دَائِمًا. وَلِلسَّتْرِ قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ سُلُوكٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُرِيدُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ. لِذَا لَا يُمْكِنُ الْاِسْتِهَانَةُ بِالسَّتْرِ أَوْ إِظْهَارُهُ كَخِيَارٍ سَيِّئٍ. لِأَنَّ السَّتْرَ وَسِيلَةٌ لِنَيْلِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

إِنَّ السَّتْرَ هُوَ الْاِنْعِكَاسُ الْخَارِجِيُّ لِلْعَزْمِ عَلَى الْعَيْشِ فِي الْاِسْتِقَامَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَعِنْدَمَا نَقُولُ السَّتْرُ، فَإِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ مَفْهُومٍ مُشْتَرَكٍ يَخُصُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَعَنْ فَضِيلَةٍ سَامِيَةٍ عَظِيمَةٍ. وَخَطَأٌ كَبِيرٌ اَلاِعْتِقَادُ بِأَنَّ السَّتْرَ يَخُصُّ الْأُنْثَى فَقَطْ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْحِجَابِ. فَالسَّتْرُ هُوَ مَبْدَأُ إِنْسَانِيٌّ وَتَعْبِيرٌ عَنْ اِحْتِرَامِ الْحُدُودِ. وَبِكُلِّ تَأْكِيدٍ هُنَاكَ اِخْتِلَافَاتٌ حَدَّدَهَا الْإِسْلَامُ فِي حُدُودِ السَّتْرِ عِنْدَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. فَدَعُونَا لَا نَنْسَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُسَتَّرٌ بِوَعْيِ الْحَيَاءِ وَيَكْتَسِبُ قَيِّمَةً فِي الْمُجْتَمَعِ بِهَذَا اَلِاحْتِرَامِ. فَالْإِنْسَانُ وَوِفْقًا لِلْإِسْلَامِ يَكْتَسِبُ قِيمَةً بِرُوحِهِ وَشُعُورِهِ وَلَيْسَ بِمَظْهَرِهِ وَصُورَتِهِ. وَيَنْبَغِي الْبَحْثُ عَنِ الْجَمَالِ فِي دَائِرَةِ الْحَلَالِ وَلَيْسَ فِي الْحَرَامِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ”. وَيَقُولُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا: “وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ “.[5]إِنَّ تَعَاقُبَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ مُنْتَظَرَانِ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٌ بِحِمَايَةِ كَرَامَتِهِ، وَاحْتِرَامِ حُرْمَةِ الْآخَرِينَ. فَطُوبَى لِمَنْ يَخْتَارُ بِكَامِلِ إِرَادَتِهِ الْعَيْشَ بِحَيَاءٍ وَسَتْرٍ وَأَدَبٍ! وَطُوبَى لِمَنْ يَعِيشُ بِوَعْيِ الْعُبُودِيَّةِ وَيَفُوزُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ!

وَفِي نِهَايَةِ خُطْبَتِي، أَسْأَلُ اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَةَ لِجُنُودِ الْجَيْشِ الْأَذَرْبِيجَانِيِّ الْأَبْطَالِ الَّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا أَثْنَاءَ الدِّفَاعِ عَنْ وَطَنِهِمْ عَلَى الْحُدُودِ الْأَذَرْبِيجَانِيَّةِ الْأَرْمَنِيَّة، وَأَدْعُوهُ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ عَلَى الْجَرْحَى. خَالِص التَّعَازِي وَالْمُوَاسَاةِ لِلشَّعْبِ الْأَذَرَبِيجَانِيِّ الصَّدِيقِ وَالشَّقِيقِ.

[1]سُورَةُ الْاَعْرَافِ، 7/26.

[2]سُورَةُ الْاَعْرَافِ، 7/26.

[3]سُورَةُ الْاَعْرَافِ، 7/19-23.

[4]سُنَنُ النَّسَائِيّ، كِتَابُ الْغُسْلِ، 7.

[5]سُورَةُ النُّورِ، 24/30، 31.

اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ