بدأ كعامل في ماكدونالدز: كيف استطاع جيف بيزوس أن يبني إمبراطورية أمازون العالمية للتجارة الإليكترونية؟
ربما لا يعلم الكثيرون أن جيف بيزوس ، وُلد لعائلة مفككة اجتماعيًا، وقد عانى من صراعات أبويه اليومية، وكان شاهدًا على طرد أمه لأبيه من منزل الأسرة، وقد تكفلت أمه بالإنفاق عليه، وفي ظل هذا التفكك العائلي كان جيف بيزوس، منذ الرابعة عشر من عمره، شغوفًا بالتعليم الذاتي، وتجريب الأفكار الجديدة.
إن مسيرة جيف بيزوس، ورحلة صعوده في عالم تجارة التجزئة، تنال إعجاب أوساط رواد الأعمال، إذ كانت حياته حافلة بالنجاحات، واستطاع أن يصبح، لأكثر من مرة، أغنى أثرياء العالم، بثروة تتجاوز 140 مليار دولار أمريكي.
بدأ جيف بيزوس حياته بالعمل في سلسلة متاجر ماكدونالدز، كان حينها يتعامل مع أعواد البطاطس القصيرة، وأكياس الكاتشب، وسندوتشات البرجر الساخنة، وغيرها من العناصر المميزة لماكدونالدز، وقد أضاف مطبخ ماكدونالدز الكثير لخبرات بيزوس، لقد تعلم فيه المثابرة، وكيفية إرضاء العميل، وأهمية التنافسية في سوق العمل.
وفي عام 1986 تخرج بيزوس في جامعة برينستون، وحصل على شهادة في علوم الحاسب الآلي، وقد كان نشيطًا أثناء دراسته الجامعية، وتولى رئاسة اتحاد طلبة الجامعة، ونظم العديد من الفعاليات فترة دراسته.
ولقد شجعه كل ذلك ليعمل في إجازاته الصيفية، في مزرعة الأسرة، في ولاية تكساس الأمريكية، لقد كان يتولى مهمات إصلاح طواحين الهواء، ومهمات تربية الماشية، وإعداد الحبوب للطيور، بالإضافة للقيام بالأعمال المنزلية اليومية.
ثم بدأ وظيفة جديدة في شركة “بان كرز”، وكان مترددًا بين إكمال الوظيفة، وبين اتباع شغفه وأحلامه، في أن يكون له عمله الخاص.
ترك جيف بيزوس وظيفته في شركة “بان كرز”، والتي كان يعمل بها كنائب لرئيس الشركة، بعد أن قرأ عدة مقالات عن المستقبل الواعد لعمليات التجارة عبر شبكة الإنترنت، والأرباح التي يمكن تحقيقها من التوسع في البيع، عبر شبكة الإنترنت.
كانت هذه المقالات، التي قرأها جيف بيزوس قبل أن يتقدم باستقالته من شركته، تتحدث عن نمو شبكة الإنترنت سنويًا بنسبة تتجاوز 2300%، وبشكل تجاري كانت هذه النسبة واعدة بالنسبة لبيزوس، والذي فكر في تحويلها إلى مضمار التجارة.
كان بيزوس يرى أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي، فستتجاوز مبيعات عمليات التجارة والبيع بالتجزئة، عبر شبكة الإنترنت، حدود مبيعات الشركات والمتاجر التقليدية، بكثير، ورأى أن أفضل مجال لمشروعه الجديد، عبر شبكه الإنترنت، هو بيع الكتب.
لكن بيزوس لم يكن يمتلك رأس المال الكافي، لبدء وإدارة هذا المشروع، وبالطبع لم يرغب أصدقاؤه في تمويل مشروع مجهول الهوية، عبر شبكة جديدة ناشئة، إلا أن أبويه قررا تمويله بنحو 100 ألف دولار.
لم يكن التمويل الأولي هو كل شئ، كان مشروع بيزوس بحاجة لجهود يومية متواصلة ليؤتي ثماره، ولقد مرت عليه فترة من الإحباط، واليأس، وكان يمكن أن يوقف مشروعه، ولا يكمله، ولكن بيزوس واصل سعيه، واستمر في تطوير عمليات البيع، في مراحلها الأولية.
ثم قام بتخصيص جراج منزله، لإدارة مشروعه، من خلال جهاز حاسب آلي، ومنضدة، ثم عمل بيزوس مع فريق، لتصميم موقع إلكتروني، وأطق عليه اسم “كادبرا”، على اسم حركة خفة اليد “أبراكادبرا”، التي يقوم بها الساحر، ضمن عروض السيرك، العديدة.
إلا أن بيزوس لاحظ أن بعض الناس يخطئون في تهجئة الإسم، فقام بتغييره إلى “أمازون” على اسمإحدى الأنهار الكبرى، التي تغذي أرض أمريكا الجنوبية، وكان افتتاح “أمازون” في عام 1995، ومن ذلك الوقت تغيرت ملامح التجارة حول العالم، وتحول التسوق التقليدي إلى جولة افتراضية رائعة، من خلال شبكة الإنترنت، التي راهن بيزوس على انتشارها في دول مختلفة، خلال فترة وجيزة.
وفي الأسبوع الأول لأمازون، حقق بيزوس من مبيعات تجارة الكتب عبر الإنترنت، نحو 20 ألف دولار، وكان أول كتاب تم بيعه، عن مفاهيم السوائل، وفي الأسابيع اللاحقة حقق الكتاب مبيعات متميزة.
ثم بدأ بيزوس يوسع نطاق المبيعات، ليقتحم مجالات جديدة، فتضمنت “أمازون”: تجارة ألعاب الفيديو، وأقراص الموسيقى، وبرامج الحاسوب، ثم أضاف إلى جانب ذلك: تجارة الملابس، والأحذية، وأدوات الموسيقى وآلاتها.
وحققت هذه القطاعات نجاحات كبرى، عبر “أمازون”، وبعد سنة واحدة من تأسيسها، اصطف المستثمرون عند مكتب بيزوس، لمحاولة إقناعه بقبول الاستثمار في شركته الواعدة، وكان من بين هؤلاء، شركة “كلاي ربيكنز كوفيلد أند بايرز”، والتي استثمرت في “أمازون” بنحو 8 ملايين دولار.
ساعدت هذه الاستثمارات في دعم أفكار بيزوس الجديدة، واستخدم جيف بيزوس التمويل في توسيع قطاعات التجارة الإلكترونية، عبر شبكة الإنترنت، لخدمة قاعدة أكبر من العملاء، داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية.
كان جيف بيزوس يؤمن بالدعاية المجانية، التي يحققها العملاء بأنفسهم لشركته، لم يكن يعتقد أن إنفاق الآلاف والملايين من الدولارات، على الدعاية والترويج، هو أمر جيد، بل هو يرى أن العميل حين تعجبه خدمة ما، وتكون هذه الخدمة على قدر كبير من الجودة، فحينها يتحدث العميل لدائرة أصدقائه، فتكتسب الشركة عملاءًا باستمرار.
وهو الأمر الذي سار بيزوس على نهجه، في “أمازون”، إذ اعتمد في الترويج لخدمات “أمازون” على تحسين خدمة العملاء بشكل كبير، وشيئًا فشيئًا كانت مبيعات الشركة تتضاعف، وتنتشر منتجاتها بكل ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية.
كان الترويج من خلال العميل، هو أبرز أدوات بيزوس على شبكة الإنترنت، لزيادة حجم الشركة، ولتوسيع قاعدة أعمالها، وكانت شبكة الإنترنت نفسها، تمنح بيزوس ميزات كبرى، من خلال سهولة التواصل بين العملاء، وسهولة نشر تجارب اقتناء المنتجات المختلفة من “أمازون”.
وأهم ما توفره “أمازون” لعملائها، هو أنها تعطي جملة من النصائح والترشيحات، لاختيار الكتب وغيرها من المنتجات، بحيث تكون تجربة العميل تفاعلية، إلى جانب العروض التي تقدمها “أمازون” بين الحين والآخر، لتجذب مختلف شرائح العملاء، ولتوفر لكل منهم احتياجاته من المنتجات المختلفة.
رغم ما حققته “أمازون” من نجاح في بداية تأسيسها، إلا أنها شهدت فترة عصيبة، في عامي 1998 و 1999، لاسيما مع صعود قوانين حماية المستهلك، وما تبعها من التزامات على شركات بيع التجزئة عبر شبكة الإنترنت.
وكان مما نصت عليه هذه القوانين، ضرورة تعويض المستهلكين الذين لا تصلهم السلعة، أو وصلتهم تالفة، وهو ما عرّض “أمازون” لخسائر كانت على وشك تهديد وجود الشركة نفسها.
وفي البداية تردد بيزوس وفكر في توابع هذا المأزق، لكنه في النهاية رضخ للأمر الواقع، وقرر الانصياع لهذه القوانين، بعد أن تعرض لخسائر متتالية، كان يرى أن العميل هو الذي يجب أن يقرر شكل المعاملة التجارية، وأن “أمازون” سيمكنها التعافي من أي خسارة، إذا اهتمت بخدمة العملاء بشكل أكبر.
تميزت الخطط المتوالية لجيف بيزوس في أمازون، بالتطوير المستمر لبرامج العمل، ومنصتها الرقمية، لاسيما وأن قطاع البيع بالتجزئة، عبر شبكة الإنترنت، قد اتسع الآن، وبرز فيه العديد من المستثمرين ورواد الأعمال.
وقد اتسع حجم أعمال”أمازون” في عام 2020، فقامت بتوظيف أكثر من 400 ألف موظف، لترتفع قوتها العاملة الإجمالية لنحو مليون و 200 ألف موظف، وقد ضاعف ذلك من مبيعات الشركة، وأدى لارتفاع أسهمها من بداية 2020، بأكثر من 70%.
ومع التوسعات المتتالية لأمازون، تم افتتاح متاجر ومخازن مجهزة، تابعة لها، خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وأسهم كل ذلك في كسب الآلاف، من العملاء الجدد، في دول متعددة.