لا علم عنده ولا ثقافة.. إليك قصة الرجل الذي بنى أضخم إمبراطورية سيارات في العالم (فورد)
إذا كنت من هؤلاء الذين يحبون متابعة أحدث موديلات السيارات الحديثة فلا بد أنك تعرف موديلات فورد بتصميماتها الجذابة الأنيقة، وربما تتفاجأ حين تعرف أن هنري فورد مؤسس هذه العلامة التجارية في عالم السيارات لم يكن غنيًا في بداية حياته، بل كان ينتمي لعائلة فقيرة للغاية.
وبخلاف الكثير من المشاهير الآن لم يكن لدى هنري فورد نماذج سابقة في ريادة الأعمال ليتعلم منهم ويتخذهم قدوة، لقد كان طريقه مليئًا بالصعاب والتحديات التي لولاها لم يكن ليصل إلى تحقيق إنجازات غير مسبوقة في تصنيع السيارات.
وقد كان التدريب الذي تلقاه هنري فورد في شركة لبناء السفن هو بدايته الحقيقية لاكتشاف ميكانيكا السيارات وصيانتها. . فكيف حدث ذلك؟
وُلد هنري فورد في 30 يوليو عام 1863 في مزرعة في الولايات المتحدة الأمريكية، في مقاطعة واين، في ميشيغان، وعندما بلغ 13 عامًا، أهداه أبوه ساعة بسيطة في تصميمها، فبدأ فورد يفكر ماذا سيحدث لو قام بتفكيكها وإعادة تركيبها.
فنجح في إجراء ذلك، فبدأت أسرته وجيرانه يعطونه ساعاتهم كلما احتاجت إلى تصليح، وعندما تطورت إمكاناته في تصليح الأشياء بدا غير راض عن عمله في المزرعة، لقد رأى أن العمل في المزرعة تقليدي ويستهلك كل وقته بلا طائل.
ورغم أن أمه كانت بحاجة لمساعدته في أعمال المزرعة إلا أنها لم تقف في طريقه، لاسيما وهي تعلم طموحات فورد من صغره ليتميز عن سائر أقرانه، وعندما طلب فورد من أبيه العمل في شركة يتعلم فيها مهارات جديدة تنفعه في المستقبل، شجعته أمه على المضي قدمًا في ذلك الطريق.
وبالفعل وافق أبوه على عمله في ديترويت، فترك التعليم النظامي بعد أن أكمل تعليمه الأساسي بالكاد ، وإنضم الى الشركة المتخصصة في بناء السفن، فتعلم فيها المزيد عن الميكانيكا وفك وتركيب الأشياء.
استطاع هنري فورد أن يستغل وجوده في شركات السفن ليتعلم صيانة المحركات البخارية، وقد أثنى مدراؤه على عمله حتى تم تعيينه كمهندس في شركة ديترويت إديسون، وفي عام 1893 ترقى لدرجة كبير المهندسين.
وفي ذلك الوقت قام فورد بتطوير عربة ذات محرك له أسطوانتين، وفي عام 1896 استطاع تطوير سيارته النموذجية الأولى، وفي نفس السنة خطط لإنتاج سيارات ذات إمكانات أعلى.
في عام 1898 كان فورد قد سجل أول براءة اختراع له، وفي السنة التي تليها استطاع جمع التمويل اللازم لتطوير سيارة تليق بطموحاته في صناعة السيارات، وقد ترك العمل في شركته القديمة ورأى أن الوقت قد حان لتأسيس شركة خاصة به.
وقد افتتح هذه الشركة الخاصة في عام 1903، وكان أول تحدي حقيقي أمام فورد هو الأسعار المرتفعة حينئذ وصعوبة إنتاج سيارات بأعداد كبيرة وبجودة مناسبة، فتم إغلاق الشركة.
في ذلك الوقت كان فورد يزور مصنعًا لإنتاج اللحوم، وظل يتأمل الطريقة التي يعمل بها المصنع، وكيف تتنقل قطع اللحم من ماكينة لأخرى بكل سلاسة، عبر قضيب حديدي يمر على عدد من العمال، وكان لكل من هؤلاء مهمة محددة في قطع ونقل هذه اللحوم.
لم يكن هذا الأسلوب التنظيمي شائعًا في كثير من المصانع في ذلك الوقت، لذلك كان فورد مندهشًا من القدرة الفريدة لهذا المصنع لإنتاج الكثير من اللحوم وتقطيعها خلال فترة وجيزة، وبشكل منظم للغاية.
وإلى جانب ذلك كان فورد بدأ يدرك أن هذه الطريقة التي يُدار بها مصنع اللحوم توفر الجهد اليدوي للعمال، وتعتمد على الآلة، لاسيما وأن رواتب العمال تستقطع قدرًا من أرباح الإنتاج.
رأى فورد أنه لو أمكنه تنفيذ ذلك في مصنع لإنتاج السيارات سيوفر عليه الكثير، وسيمكنه إنتاج الكثير من السيارات لو اعتمد على الآلة بشكل مناسب لطبيعة صناعة السيارات، وحينها سيستطيع من خلال هذه الميزات التنافسية أن يجذب أكبر قدر من العملاء.
وعندما عاد فورد لمصنعه مرة أخرى، قام في خلال 6 شهور بتجهيزه بآلات ميكانيكية، ووزع العمل على العمال بحيث يقل الاعتماد على الجانب اليدوي التقليدي وتصبح الآلة هي المسؤولة عن تنفيذ مهام التصنيع بشكل أكبر.
وأصبح الحال مثلما كان في مصنع اللحوم، قطع من السيارة تمر على العمال فيضيف لها هذا العامل قطعة معينة من هيكل السيارة، ويضيف الآخر قطعة أخرى، ويصلح آخر قطعة من مقدمة السيارة، وهكذا، حتى ينتهي الجميع من إضافة اللمسة الأخيرة في إنتاج السيارة.
ومع استمرار العمل بالمصنع على هذا النحو تم إنتاج السيارات بشكل اسرع وبجودة أعلى وبسهولة أكبر، وبذلك أصبح فورد هو الأب الروحي لأنظمة عمل مصانع السيارات الحديثة الآن التي تعمل من خلال نظام ميكانيكي يوزع مهام العمل بين الإنسان والآلة على النحو الذي ينتج السيارة بإتقان وبأقل وقت.
وقد استطاع فورد الحصول على مساعدة مستثمرين جدد، ونجح في تصميم سيارة تسير بقوة 26 حصانًا، كان ذلك بداية لعودة شركة فورد للمنافسة بقوة مرة أخرى، ونجح في بيع نحو 500 سيارة، ثم باع نحو 7 آلاف سيارة في عام واحد، وكانت هذه السيارات موديل T وسعرها كان 850 دولارًا.
وشجعه الإقبال على هذا الموديل لتأسيس مصنع على مساحة 60 فدانًا لإنتاج المزيد من هذه السيارات، واستطاع هذا المصنع إنتاج سيارات جديدة في غضون 93 دقيقة، وهو معدل مذهل ضاعف من مبيعات فورد.
وكان تخفيض وقت الإنتاج ينعكس على تقليل تكلفة السيارة ليصبح بإمكان أي شخص أن يشتري واحدة منها، وبحلول عام 1928 أصبحت شركات فورد للسيارات تنتج نحو نصف السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية من طرازT.
وبذلك أصبح فورد في صدارة رواد الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن الأب الروحي لصناعة السيارات فحسب، بل كانت له الريادة في تحقيق ثروة هائلة من فكرة بسيطة استمر في تطويرها بكل دأب ومثابرة.