في دولة عربية… العثور على كنز لا يقدر بثمن وأعين الغرب تتجه نحوه
في دولة عربية… العثور على كنز لا يقدر بثمن وأعين الغرب تتجه نحوه
على الرغم من أن دراسة نتائج التنقيب الأثري الذي تقوم به البعثة الأثرية السورية السويسرية في حوض الكوم لم تنته بعدُ، لكن يمكن الزعم بأن عدة نظريات سائدة قد يتم تصحيحها.
ومن أبرز هذه النظريات نفي مرور الإنسان البدائي بالمنطقة في طريقه من إفريقيا إلى آسيا،
أو أن الجمال وفدت في الأصل إلى المنطقة من الأمريكتين، إضافة إلى تأكيد بداية استعمال الإنسان للتقنية في تصنيع الأدوات الصوانية خصوصا في الحقبة الهُملية.
من النتائج التي حققتها البعثة الأثرية السورية السويسرية في سوريا في حوض الكوم وفي بئر الهمل بالتحديد منذ بداية أشغالها قبل عشرين عاما،
اكتشاف أثري لأهم موقع أثري مفتوح يعود لعصور ما قبل التاريخ
وخاصية هذا الموقع أنه احتفظ بالعديد من الحقب التاريخية الممتدة من يومنا هذا حتى حوالي مليون وخمس مائة ألف سنة قبل الميلاد.
كما أن الموقع احتفظ بأدوات صوانية ذات جودة عالية ومتميزة بتقنية تصنيع أطلق عليها إسم “الحقبة الهملية”؛
وهو تعبير علمي أصبح متداولا ويعني الحقبة الممتدة ما بين 80 ألف و200 ألف سنة قبل الميلاد.
كما سمح موقع الهمل باكتشاف بقايا جمال تعود إلى أكثر من 400 ألف سنة قبل الميلاد،
والبعض منها لأصناف لم يسبق أن تمت دراستها والتعرف على خصائصها.
والاكتشاف الفريد من نوعه تمثل أيضا في العثور على بعض من بقايا جمل عملاق لأول مرة في تاريخ الإنسانية.
هذه المعطيات، فضلا عن اكتشاف البعثة الأثرية الفرنسية لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط لقطع من جمجمة الإنسان البدائي “هومو إريكتوس”،
ستعمل لا محالة على تغيير قراءة تاريخ المنطقة عاجلا أم آجلا.
وهناك بداية تكيف في المنطقة لإدماج هذه الاكتشافات في كيفية قراءة التاريخ.
“الإنسان البدائي مرّ من هنا”
يقول رئيس البعثة السويسرية في الكوم ومدير معهد عصور ما قبل التاريخ وعلوم الآثار في جامعة بازل البروفسور جون ماري لوتانسسورر،
عن النظرية التي ظلت سائدة حتى اليوم عن تنقل الإنسان البدائي من إفريقيا للمنطقة ثم إلى آسيا:
“يـــُقال إنه استخدم في هذا التنقل الى آسيا ثم أوروبا الممر الأردني الممتد من النبطية،
ثم البحر الميت في اتجاه الشمال مرورا بالبقاع. وكان المؤرخون يعتقدون بأن هذا الإنسان البدائي لم يكن بإمكانه المرور من هذه المناطق لأنها قاحلة”.
وحسب البروفيسور لوتانسورر، “يثبت” اكتشاف أثري للبعثة الفرنسية لبقايا جمجمة الإنسان البدائي في عام 2003،
والذي يعود إلى ما بين 500 و600 ألف سنة قبل الميلاد، “بأن الإنسان البدائي مر من هذه المناطق”.
أما مديرة المتحف الوطني في دمشق الدكتورة هبة السخل فتعتبر أن “منطقة الكوم،
أثبتت أن الإنسان القديم لم يعش فقط في المناطق الساحلية،
بل وصل إلى الداخل، أي إلى البادية السورية وعاش في بيئة شبه صحراوية،
وعاش لفترات طويلة وبشكل متواصل بحيث كان يتردد على المنطقة التي كانت عبارة عن واحات ومنطقة ينابيع”.
وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إثبات ذلك فلأن “أغلب التنقيبات التي تمت في السبعينات كانت في فلسطين وفي لبنان،
وقلة ذلك في سوريا واقتصارها على المناطق الساحلية السورية وبالتحديد في وادي العاصي ومنطقة الفرات”، كما توضح الدكتورة هبة السخل.
الجمال أصيلة المنطقة .. ومنذ القدم
المعلومة التي كانت سائدة قبل خمسة عشر سنة عن تواجد الجمال بالمنطقة هو أنها وافدة على المنطقة منذ حوالي عشرة ألاف سنة من الأمريكيتين، مرورا بالصين.
ولكن البروفسور جون ماري لوتانسورر يقول “إن موقع الهمل سمح لنا باكتشاف عظام جمال في كل الحقب وتعود إلى حوالي مليون سنة”.
وما يزيد في تعميق الفضول لاستمرار البحث بالمنطقة، هو أن غالبية الأصناف التي تم العثور عليها غير معروفة في الأوساط العلمية،
بل إن بقايا الجمل العملاق التي اكتشفت في موقع الهمل في عام 2006 تعتبر النموذج الوحيد الذي تم اكتشافه لحد اليوم في العالم.
وبما أنه النموذج الوحيد الذي تم العثور عليه، يقول البروفسور جون ماري لوتانسورر،
“معنى ذلك أننا بصدد التنقيب في حقب بسوريا لم ينقب فيها أحد من قبل، وإلا لتم العثور على بقايا هذا الجمل العملاق في أماكن أخرى”.
والخلاصة التي يصل إليها رئيس البعثة الأثرية السويسرية هو أن “سوريا والمنطقة المحيطة إلى العراق كانت بدون شك منطقة تطور ونمو لفصيلة الجمال بكل أنواعها”.
ومن جهته، يقول مدير متحف تدمر المهندس وليد أسعد “إن اكتشاف الجمل العملاق في هذا الموقع شيء مهم جدا،
لأن أي اكتشاف يصل إليه البحاثة ممن يحالفهم الحظ يعمل لا محالة إما على تأكيد مفاهيم سائدة أو إبطالها وتصحيحها”.
استثمار هذه المعطيات لقراءة جديدة لتاريخ المنطقة
على الرغم من حداثة هذه الاكتشافات وضرورة إجراء المزيد من الأبحاث والتدقيقات، فهناك محاولات لإدراج هذه المعطيات الجديدة في البرامج التعليمية،
إضافة إلى ما تقوم به مختلف المؤسسات من ترويج إعلامي وتثقيفي لهذه الأعمال.
وتقول مديرة متحف دمشق الدكتورة هبة السخل “إن الاستفادة الأولى تتم عبر إيفاد طلبة سوريين للتدريب في تلك المواقع”.
ولتعميم الاستفادة من هذه الاكتشافات، أقدم المدير الأسبق المشرف على بعثات التنقيب الأجنبية، الدكتور سلطان محيسن،
على نشر كتاب جامعي تقول الدكتورة هبة “إنه إشتمل على كل هذه المعلومات الجديدة وتُدرّس حاليا بجامعة دمشق”.
كما يتم تكريس أقسام خاصة بحقب العصور القديمة في مختلف متاحف سوريا وتعزيزها بعينات من هذه اللقى الأثرية،
والتي تم العثور عليها سواء في بئر الهمل أو في مناطق أخرى من سوريا.
وبالفعل هناك أقسام هامة لعصور ما قبل التاريخ في متاحف كل من دمشق وتدمر وحماه ودير الزور.
وتقول مديرة متحف دمشق “نحن نعزز ذلك بعروض من حين لآخر مثل تلك التي قامت بها البعثة الأثرية السورية السويسرية في شهر يونيو للتعريف بالقيمة العلمية لهذا الـ “اكتشاف أثري”.
كما أن هناك معرضا موجها لكل الفئات من الخبير إلى الطفل الصغير، سيقام في شهر سبتمبر 2010،
حول تقنية الصوان لشرح أهم الاكتشافات التي تمت في سوريا والتقنيات المستعملة في ذلك،
وكيف تطور تفكير الإنسان القديم واستخدم لتحسين تصنيع الأدوات الصوانية وتكييفها مع متطلباته المعيشية”.