حرب غزة.. بريطانيا.. الولايات المتحدة.. تستذكر آراء التاريخ
31/10/2023-|آخر تحديث: 31/10/202303:12 مساءً (بتوقيت مكة)
إن أكثر ما أثارته حرب غزة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي هو التذكير بالتاريخ المرير لأوروبا والولايات المتحدة في دعم إسرائيل على كافة المستويات. وهكذا بدأ الشباب العربي بتحميل -بأعداد متزايدة- كافة الكتب التي تتناول القضية الفلسطينية رقمياً من الإنترنت، ليشهد تواجد الشباب من عمر 15 إلى 40 عاماً في عدد كبير من المواقع التي توفر مصادر مفتوحة، وكأن حرب غزة أعادت القضية الفلسطينية ومأساة فلسطين إلى العقلية العربية، هذه المرة بين الأجيال الجديدة التي أصبحت لديها آراء تشكلت بعيداً عن ضغوط وآراء الدول العربية الرسمية، فيصبح السؤال الآن كيف سيتم ذلك؟ هل تواجه إسرائيل هذه الأجيال؟ وخاصة الصغار الذين يتألمون من مشاهد الأطفال الشهداء. ونتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية، ستصبح أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية دولتين معاديتين لحق الفلسطينيين في العيش بأمان. لحظة تاريخية وهنا لا بد من التأكيد على أننا أمام لحظة تاريخية تعيد تشكيل المشهد ليس عربيا فحسب، بل دوليا أيضا. إن العالم قبل الحرب الأوكرانية الروسية يختلف عن العالم الذي سيكون بعد هذه الحرب، كما أن العالم بعد حرب غزة سيكون مختلفاً عن عالم ما بعد هذه الحرب أيضاً. هناك عالم جديد سيتشكل بعد هاتين الحربين، فإذا لم يكن هناك استثمار عربي في هاتين الحربين، فإن الحضور العربي دولياً سيكون باهتاً، ولعل هذا الحضور الباهت هو نفسه الذي أدى إلى قيام إسرائيل مع الدعم الغربي، لكن من المهم أن ندرك أن الوعي العربي مختلف تماما. وعلى الصعيد الشعبي، هناك اختلافات في الآراء، لكن الجميع يقفون وراء فلسطين، ومن المدهش أن الأسئلة على الإنترنت العربي تثير الاستغراب الآن. يبحث الشباب عن فلسطين من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن والبحر الميت. ولم يعد البحث يرتكز على الضفة الغربية وغزة، بل على فلسطين التاريخية والنكبة. التي حلت بها عام 1948م، ليبقى السؤال أمام إسرائيل نفسها: كيف ستسير جهود التطبيع مستقبلاً، في ظل تصاعد البحث عن عكا العربية التي هزم نابليون بونابرت، وعكا التي خرج منها الصليبيون مهزومين في العام 1948م. يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون والبحث عن يافا. وحيفا وعسقلان في المصادر التاريخية العربية قبل إسرائيل؟ وقد أدى ظهور عسقلان في نشرات الأخبار إلى البحث عن تاريخها، ولا يمكن إلا أن يتم ربطها ذهنيا على الفور بالكتب الأكثر تفاعلا معها على الإنترنت (فتح الباري مع شرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني. وبما أن عسقلان أرض عربية تاريخياً وينتمي إليها العديد من الشخصيات العربية، هنا يتعمق البحث أكثر حول كيفية قيام إسرائيل على أرض فلسطين المغتصبة. إن الجهل بالقضية الفلسطينية وتاريخ اغتصاب فلسطين وتهجير أهلها يمثل ثغرة في الأجيال العربية، لذا فإن استحضار التاريخ أصبح أمرا لا مفر منه، خاصة وأن كثيرا من المؤرخين العرب – للأسف الشديد في السنوات الأخيرة – لم يقدموا شيئا جديد حول تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، بل لقد أسقطت مراحل كثيرة من هذا الصراع من الذاكرة العربية. المؤتمر السري: هناك العديد من المواقف البريطانية التي أحدثت تحولاً في استيطان اليهود في فلسطين. وفي عام 1905، بدأ مؤتمر سري بدعوة من حزب المحافظين، وشارك فيه علماء التاريخ والجغرافيا والاقتصاد لمناقشة مستقبل بريطانيا في الشرق الأوسط كموضوع رئيسي. واختتمت بتوصيات رفعت إلى رئيس مجلس الوزراء. وقال البريطاني كامبل بانرمان: إنشاء حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهم بالبحر الأبيض المتوسط - بحيث يشكل في هذه المنطقة وفي محيط قناة السويس قوة إن ما هو معادي لشعوب المنطقة وصديق للدول الأوروبية ومصالحها هو أمر حيوي، ولذلك يجب التنفيذ العملي العاجل من خلال الوسائل والوسائل المقترحة. وتزامن ذلك مع هجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين الذين جاؤوا جواً منذ عام 1902 وكانوا يمثلون عمالة أرخص من العمالة البريطانية. لقد أصبحوا يشكلون تهديدًا لمصالح الآلاف من المواطنين البريطانيين وتسببوا في أزمة بطالة حادة بينهم. كما أصبح تهجير اليهود من بريطانيا مسألة ملحة. وقد وافق على الاقتراح السابق، واستقر الرأي في ذلك الوقت على توطينهم في شبه جزيرة سيناء، وبالفعل تم تشكيل لجنة من مجموعة من الخبراء اليهود في مجالات عديدة وسهلت لها مهمتها في سيناء، و وخلصت إلى أن سيناء مسموح لها بإنشاء المستعمرات، على أن تمنح الحكومة المصرية الدكتور هرتزل أو الشركة التي… وتثبت حق استغلال الأراضي الواقعة شرق قناة السويس، لمدة 99 عامًا. وقد عُرض الأمر على مديرية الخارجية المصرية بناء على توصية اللورد كرومر، وهنا يكتب بطرس باشا غالي رداً على هذا الاقتراح في 22 فبراير 1903 يقول فيه: (أخذت حكومة سمو الخديوي علماً بسيادتكم) في المقترحات المتعلقة بالحصول على امتياز إنشاء شركة لتوطين اليهود في شبه جزيرة سيناء، فإنه لا يجوز للحكومة المصرية، بموجب المراسيم العليا، لأي سبب أو مبرر، التنازل عن أي جزء أو كل الحقوق المتعلقة بالسيادة، ولذلك فإنها ويجب أن نستبعد بشكل قاطع كل فكرة تهدف إلى الحصول على اتفاقيات من هذا النوع.وفي ظل الضغوط المتعددة أرسل بطرس باشا غالي في 11 مايو 1903م إلى أحد أعضاء اللجنة المدعوة إلى سيناء العقيد جولدسميث. وجاء في التقرير في النهاية: (الحكومة المصرية ستكون مخطئة إذا أبدت أي تشجيع لمشروع من هذا النوع، ولهذا السبب: نأسف لعدم تمكن الحكومة المصرية من الرد بشكل إيجابي على مقترحاتكم التي تعتبر محل اهتمام مرفوض. العراق: اتجهت أنظار اليهود إلى العراق وطناً بديلاً، وكان تأثيرهم في حزب الاتحاد والترقي كبيراً. ومن خلال يهود تركيا، تم تقديم العراق على أنه أفضل أرض لليهود وتشكيل دولة مستقلة. بل إنهم وضعوا رؤى لذلك، لكن هذا المشروع لم يقبله الحركة الصهيونية والمتطرفون اليهود الذين فضلوا فلسطين. وكان للولايات المتحدة حضور مبكر في المشروع الصهيوني، على عكس ما يشاع أن دورها بدأ بعد الحرب العالمية الثانية لملء الفراغ الذي نتج عن ضعف بريطانيا. شكل الكونغرس لجنة من الخبراء عام 1918، قدمت تقريراً إلى الرئيس ويلسون جاء فيه: إنشاء دولة منفصلة في فلسطين، ووضع هذه الدولة تحت إشراف بريطانيا العظمى انتداباً من عصبة الأمم. – توجيه الدعوة لليهود للعودة إلى فلسطين، مع التأكيد على تقديم كافة المساعدات اللازمة. مؤكداً أن سياسة عصبة الأمم تقوم على الاعتراف بفلسطين كدولة يهودية حقيقية. في 30 يونيو 1922، قرر الكونجرس الأمريكي بالإجماع أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، استنادا إلى حقيقة أن الاضطهاد بلا رحمة لليهود في أوروبا قد أظهر الحاجة إلى وطن. بالنسبة لهم سيكون ذلك بمثابة ملجأ لأعداد كبيرة من اليهود الذين أصبحوا عديمي الجنسية نتيجة لذلك. الاضطهاد، وفي 19 ديسمبر 1945م، وبما أن هذه المأساة كانت مدعومة بطلب الرئيس بالسماح الفوري لمائة ألف يهودي إضافي بدخول فلسطين، فقد كان هذا أكبر دعم قدمته الولايات المتحدة في هذا الوقت. الدعم الأكبر الذي قدمته بريطانيا لفلسطين ليس وعد بلفور؛ لأنه مجرد وعد، ولكن مرسوم دستور فلسطين الذي أصدره ملك بريطانيا بتاريخ 14 أغسطس 1922 في قصر باكنغهام، والذي تضمن ما يلي: يتولى المندوب السامي جميع الحقوق في الأراضي العامة أو الحقوق المتعلقة بها، و ويجوز له ممارسة تلك الحقوق بصفته وصياً على حكومة فلسطين. ويجوز للمفوض السامي التبرع بأية أرض أو استئجارها. ويجوز له أن يأذن بإشغال هذه الأرض بصفة مؤقتة وبالشروط والمدد التي يراها مناسبة. هذا الدستور منح بريطانيا أراضي في فلسطين، وهذا ما يدعو إلى القول بأن ما منحته سلطة الاحتلال البريطاني من هذه الأراضي ليس له أي أساس قانوني، وأن الفلسطينيين لم يسلموا أراضيهم لليهود كما أشيع كذبا. . ويتعين على أوروبا – التي دعمت إسرائيل لعقود من الزمن – أن تدرك أن مواقفها طوال القرن العشرين والقرن الحالي لم تجلب لها سوى العداء من جنوب البحر الأبيض المتوسط، أقرب جيرانها. ولكن هل تزايدت حدة هذا العداء في ظل الحرب الحالية في غزة ضد أوروبا؟ دارت عمليات البحث على الإنترنت في مصر وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر والمغرب حول تساؤلات حول أسباب المواقف الأوروبية الداعمة لإسرائيل، وذهب الشباب في هذه الدول إلى جذور دعم أوروبا لإسرائيل، وكأنما المواقف الأوروبية المتصلبة الداعمة لإسرائيل كانت تستدعي روحاً غير صديقة لأوروبا، وهذا ما تستدعيه أوروبا. تراجع مواقفها، بل وتفكر بعمق في العلاقات مع الشعوب العربية مستقبلاً، وماذا ستصبح في ظل هذه المواقف الأوروبية؟ خطاب بطرس باشا غالي الرافض للاستيطان الإسرائيلي عام 1903