بوليفيا تقطع علاقاتها مع إسرائيل.. هل هي الأولى أم الأخيرة؟ | آراء
للمرة الثانية خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، تتخذ حكومة بوليفيا استباقية، وهذه المرة فريدة من نوعها في اتخاذ خطوة شجاعة، في أعقاب المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في مخيم جباليا بعد ظهر أمس الثلاثاء، والتي خلفت مئات القتلى ومئات الجرحى ومفقودون، كما صرح نائب وزير خارجيتها فريدي ماماني ماتشاكا. لقطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع إسرائيل، على خلفية ارتكاب الأخيرة “جرائم حرب ضد الإنسانية” في قطاع غزة، وعد “بإبلاغها رسميا عبر القنوات الدبلوماسية القائمة بين البلدين وفقا لميثاق الأمم المتحدة”. “. وجاء البيان بعد ساعات قليلة من مجزرة مخيم جباليا، عندما دعت المؤسسة الرئاسية وسائل الإعلام لتغطية المؤتمر الصحفي الذي حضرته وزيرة الخارجية المؤقتة ماريا برادا ونائبها فريدي مشاكا، والذي أعلن فيه الأخير قرار قطع العلاقات مع إسرائيل. . وجاء في البيان الذي قرأ خلال المؤتمر “رفض وإدانة الهجوم العسكري الإسرائيلي العدواني وغير المتناسب على قطاع غزة”. كما أدان مشاكا بشدة الاعتداءات التي تواصل إسرائيل شنها ضد الشعب الفلسطيني، والمعاملة العدائية التي تمارسها إسرائيل مع المسؤولين عن المنظمات الدولية المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. ودعا “الدول الشقيقة” إلى اتخاذ إجراءات جماعية لمنع “الإبادة الجماعية الممنهجة” التي تقودها إسرائيل ضد سكان غزة. كما أعلن ماتشاكا أن بوليفيا سترسل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. اللقاء مع السفير: سبق هذا الموقف لقاء بين الرئيس البوليفي لويس آرسي والسفير الفلسطيني. محمود العلواني يوم الاثنين الماضي، أعرب خلاله عن رفضه لجرائم الحرب في قطاع غزة، بالإضافة إلى دعوة الرئيس آرسي مجلس الأمن الدولي لتمهيد الطريق للحل النهائي لممارسة فلسطين حقها في تقرير مصيرها الذاتي. عزيمة وأراضيها دون احتلال غير شرعي، وترسيخ دولتها الحرة المستقلة. كل الخطوات المذكورة يمكن وصفها بالشجاعة، إذا أخذنا في الاعتبار تطور اللهجة بين التصريحات الأخيرة للحكومة ورئيسها، والبيان الصادر عن وزارة الخارجية نفسها في 7 أكتوبر الماضي، والذي وصفه الرئيس السابق الزعيم إيفو موراليس (2006-2019) آنذاك. مع التصريح “الباهت” و”المخزي” الذي لا يليق بمواقف بوليفيا الشجاعة والصريحة إبان فترة حكمه، خاصة وأن الرجل اشتهر بمواقفه الداعمة التي لا تنتهي مع الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي حظيت فيه القضية الفلسطينية بأهمية كبيرة. أقوى دعم من القارة اللاتينية، قاده في تلك السنوات الزعيم فنزويلا تشافيز وانتصاره على نظيره البرازيلي لولا دا سيلفا، ثم خليفته ديلما روسيف، ورئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر، ورئيس الإكوادور رافائيل. كوريا. لكن هذا الدعم تضاءل شيئاً فشيئاً، مع استعادة اليمين السيطرة في بعض الدول المذكورة، أو مع حدوث مفاجآت صادمة مثل ما حدث في بوليفيا عام 2019، أو مفاجآت سارة مثل ما حدث في كولومبيا مع غوستافو بترو. ، أحد أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، وسيفوز بالرئاسة في صيف 2022. ويبدو أن شجاعة الحكومة البوليفية دفعت دول الجوار إلى أن تحذو حذوها، وهو ما كان متوقعا، حيث استذكرت تشيلي في نفس اليوم استقلالها. سفيرها لدى تل أبيب للتشاور، ردا على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في غزة، بحسب بيان لوزارة الخارجية. أما رئيس كولومبيا، فقد نشر القرار بصيغة المتكلم على حسابه على منصة X، وأعلن من خلاله استدعاء سفير بلاده. واحتجاجا على الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، هدد بقطع العلاقات الدبلوماسية إذا لم توقف إسرائيل المذبحة بحق الشعب الفلسطيني. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الكولومبي اتخذ مواقف غير مسبوقة داعمة للشعب الفلسطيني، منذ “طوفان الأقصى” وتبعاته، في دولة تلقب بـ “إسرائيل أمريكا الجنوبية”. معطيات مهمة والعودة إلى المشهد البوليفي. ويجدر توضيح بعض المعطيات الأساسية المتعلقة بالوضع الرئاسي في البلاد، من أجل التعرف على جذور مواقف رؤسائها من القضية الفلسطينية. وكان الرئيس السابق موراليس، الذي حكم البلاد من 2006 إلى 2019، الحليف الأبرز للرئيس الفنزويلي تشافيز، كما ذكرنا سابقا، ولذلك جاء قراره بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2009، ردا على هجماتها الوحشية على غزة. وكان ستريب متسقاً مع أفكاره والحركة التي يمثلها. لكن الأزمة السياسية التي عاشتها بوليفيا عام 2019 – والتي سنشرحها لاحقا – رسمت موقفا مختلفا تماما في علاقة بوليفيا مع إسرائيل، فعقب فوز جانين أنيز رئيسة مؤقتة للبلاد في العام نفسه، سارعت الأخيرة إلى وإصلاح “ما أفسده” سلفها اليساري موراليس. وعلى صعيد العلاقات الخارجية، كانت إسرائيل على رأس أولوياتها، وسرعان ما استأنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفيما يتعلق بأزمة 2019، فقد ارتبطت بنتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك العام، والتي كان موراليس هو الفائز فيها حتى تم فرز 90% من الأصوات، لكن سيناريو العنف والفوضى الكاملة أجهض استكمال عملية الفرز، و وشككت في نزاهتها، وبسببها ألغيت الانتخابات، وهدد موراليس بالسجن بتهمة التزوير. غادر الأخير البلاد إلى المكسيك، ثم إلى الأرجنتين. وبينما اعتبر موراليس وأنصاره ما حدث «انقلابا»، حشد معارضوه لإجراء انتخابات ثانية بدعم من الولايات المتحدة، فازت فيها جانين أنيز كرئيسة مؤقتة. وعندما أُجريت انتخابات أخرى في الموعد المحدد لها في عام 2020، ترشح وزير ماليته، آرسي، لحزب موراليس كجزء من صفقة بين الرجلين. ونجح آرسي في الفوز بالمنصب، واستعاد حليفه موراليس حقوقه وعاد إلى البلاد، لكن نشأت بينهما خلافات من نوع آخر، مما أدى إلى انقسام الحزب. التي أسسها موراليس وضمت آرس في وقت ما. ولهذه الأسباب يمكننا القول: رغم أن الرئيس السابق موراليس والرئيس الحالي آرسي يختلفان في كثير من الأمور، إلا أن مواقفهما من القضية الفلسطينية ستبقى مختلفة، إلا أنهما ملتزمان دائما بدعم الشعب الفلسطيني في ظلامه. وربما يفسر هذا ما قالته المعارضة: هذه المرة كان الرئيس السابق موراليس وراء القرار الجريء والمفاجئ الذي اتخذته إدارة آرسي بقطع العلاقات مع إسرائيل، ردا على “برودة” البيان الأول الذي أصدرته وزارة خارجية حكومة آرسي في ذلك اليوم. انطلاق عملية “طوفان الأقصى”. ومع استمرار إسرائيل في تجاوزاتها، لن يكون مفاجئاً على الإطلاق أن تتبع دول أمريكا اللاتينية قريباً قرارات التصعيد الدبلوماسي ضد إسرائيل، خاصة فنزويلا والبرازيل والأرجنتين، قبل صدور نتائج جولتها الرئاسية الأخيرة بعد أسبوعين. في وقت عجزت حكومات «الأشقاء العرب»، عن تفعيل الحد الأدنى من خطوات الدعم.