أخبار تركيا

جونسون لأردوغان: نأخذ المال ولا نسلم السفن؟ قصة عمرها 107 أعوام

جونسون لأردوغان: نأخذ المال ولا نسلم السفن؟ قصة عمرها 107 أعوام

تعود أحداث القصة التي ذكرها رئيس الوزراء البريطاني جونسون إلى عام 1914، بعد بداية الحرب العالمية الأولى بفترة وجيزة، وذلك عندما استولت بريطانيا على سفينة الراشدية الحربية التي كان من المقرر تسليمها للبحرية العثمانية.

على هامش زيارته لمدينة نيويورك من أجل المشاركة باجتماعات الأمم المتحدة بداية الأسبوع الجاري والتي تخللها افتتاح مبنى “البيت التركي الجديد” مقابل مقر الأمم المتحدة وسط نيويورك، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وتناولوا العديد من المواضيع، كان من أبرزها مشروع حاملة الطائرات الذي سيتم تصميمة وبناؤه من خلال التعاون المشترك بين تركيا وإنجلترا.

وفي مقدمة الاجتماع، أشار جونسون مازحاً إلى حادثة السفينتين الحربيتين، السلطان محمد الفاتح والراشدية، قبل 107 سنوات وقال: “شعبنا يأخذ المال ولا يرسل السفن”، مشيراً إلى الحادثة التي وقعت في أغسطس/آب 1914 عندما كانت السفن الحربية جاهزة للتسليم.

إلا أن ونستون تشرشل الذي كان وزير القوات البحرية الإنجليزية آنذاك أصدر أمراً بمصادرة السفن على الرغم من دفع الدولة العثمانية التكاليف المطلوبة منها كافة.

وحادثة السفن الحربية هذه قبل أكثر من قرن مشابهة تماماً لقصة المقاتلات الحربية الأمريكية “إف 35″،.

فعلى الرغم من مشاركة تركيا في برنامج تصنيع الطائرات الشبحية من الجيل الخامس فضلاً عن دفع الأموال مقدماً لغرض شراء مجموعة منها، إلا أن الولايات المتحدة اتخذت من شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400” ذريعة لها وأخرجت تركيا من برنامج المقاتلة الحربية ولم تُعد لها الأموال التي سددتها مسبقاً.

حادثة الراشدية

في نهاية العقد الأول من القرن الماضي وخلال محاولاتها لتحديث أسطولها الحربي، أطلقت البحرية العثمانية حملة تبرعات شعبية ضخمة لشراء بارجة حربية حديثة ومتطورة من المملكة المتحدة.

وصُممت البارجة التي أطلق عليها اسم الراشدية بشكل مشابه للبارجة الإنجليزية من طراز “الملك جورج الخامس” وبدأت أعمال تصنيعها في عام 1911.

ووقت بنائها، كانت الراشدية رفقة السفينة الأخرى التي أطلق عليها اسم “السلطان محمد الفاتح”، والتي بدأت أعمال تصنيعها في شهر أبريل/نيسان من عام 1914، من أحدث السفن الحربية في العالم، حيث كانت تحتوي على بطارية إطلاق رئيسية يبلغ قطرها 13.5 بوصة (340 ملم) ومدفع ثانوي من فئة 6 بوصات (150 ملم) بدلاً من 4 بوصات (100 ملم).

وما أن اكتملت أعمال تصنيع سفينة الراشدية الحربية في أغسطس/آب 1914 وحان موعد تسليمها للقوات البحرية العثمانية، حتى أصدر وزير القوات البحرية آنذاك، ونستون تشرشل، أمراً بحجز السفينة ومنع تسليمها للعثمانيين فضلاً عن إيقاف أعمال تصنيع السفينة الأخرى.

ولم تكتفِ المملكة المتحدة بالاستيلاء على السفن ورفض إعادة الأموال المدفوعة مسبقاً وحسب، بل قامت بإدخال الراشدية ضمن الأسطول الإنجليزي في بداية الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي أثار رد فعل الشعب العثماني، وكان فعالاً للغاية في دخول العثمانيين إلى الحرب العالمية الأولى إلى جانب الإمبراطورية الألمانية ودول المركز ضد بريطانيا وقوى الحلفاء.

الدوافع وراء شراء السفن

بعد قرون من سيطرتها على مياه المتوسط الذي حولته إلى بحيرة تركية، وتزامناً مع دخول الدولة العثمانية حقبة الضعف والأفول، فقدت البحرية العثمانية قدراً كبيراً من قوتها منذ سبعينيات القرن التاسع عشر نتيجة لقلة الميزانية المخصص لتجديد السفن وشراء أسطول جديد وحديث، فضلاً عن إهمال السفن الموجودة وعدم وجود تدريب جدي، وذلك على الرغم من إطلاق مشاريع مختلفة من وقت لآخر لتحديث البحرية على مدى عقود سابقة.

كما كشفت الحرب العثمانية اليونانية عام 1897 عن الحالة السيئة للبحرية العثمانية، والتي على إثرها بدأت الحكومة العثمانية في وضع خطط جادة لشراء سفن حربية من أحواض بناء السفن الأجنبية لمواجهة تزايد البحرية اليونانية.

وكحل مؤقت، جرى شراء سفينتين حربيتين مدرّعتين من فئة “براندنبورغ” من ألمانيا في عام 1910 وانضمت إلى البحرية العثمانية باسم “بارباروس خير الدين” و”تورغوت ريس”.

ولم تكتفِ الحكومة العثمانية بالسفن الألمانية، إذ بدأت في أواخر عام 1911 البحث عن سفن جديدة لتعزيز أسطولها البحري ليصبح قادراً على منافسة الأسطول اليوناني. واتصلت الحكومة أولاً بـ”أرمسترونغ ويتوورث” للحصول على سفينتَي “ريو دي جانيرو” و”ميناس جيرايس” اللتين كانتا تُبنيان للبحرية البرازيلية في ذلك الوقت، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق.

سباق التسلح مع البحرية اليونانية

عندما لم تثمر الاتصالات أيَّ نتائج، بدأت الحكومة العثمانية التفاوض مع شركة “فيكرز” لبناء سفينتين حربيتين مدرعتين جديدتين بناءً على التصاميم التي أعدها دوغلاس غامبل، الذي كان مستشاراً بحرياً للحكومة العثمانية آنذاك.

وفي 8 يونيو/حزيران 1911 تقدمت البحرية العثمانية بطلب شراء السفينة الأولى التي أطلق عليها في البداية اسم “محمد رشاد الخامس”، والتي تغير اسمها ليصبح “راشدية” في أثناء بنائها.

وردّاً على بدء العثمانيين تصنيع سفينة الراشدية الحربية، أرسلت البحرية اليونانية عام 1912 طلباً لشراء سفينة حربية أطلقت عليها اسم “سالاميس”، الأمر الذي دفع العثمانيين إلى إقناع الإنجليز ببيع سفينة “ريو دي جانيرو” في يناير/كانون الثاني 1914 وتسميتها “السلطان عثمان الأول”.

على أثر ذلك أمرت الحكومة اليونانية بإطلاق سفينة حربية ثانية باسم “فاسيليفس كونستانتينوس”. في المقابل أمر العثمانيون في أبريل/نيسان 1914 ببناء سفينة حربية جديدة من فئة الراشدية، أُطلقَ عليها اسم “السلطان محمد الفاتح”.