هل تستطيع المعارضة التركية سحب الجنسية من السوريين؟
انتشرت في أكتوبر تشرين الأول الماضي شائعات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، أقلقت العديد من المستثمرين العقاريين العرب في تركيا، وخاصة المستثمرين السوريين.
وكانت هناك 3 قضايا رئيسية أثارت مخاوف المستثمرين العرب، أولها: إجراء جديد وأمر إداري بخصوص المستثمرين العقاريين السوريين، وثانيا مشكلة حديثة وشائعة حول تقارير التقييم العقاري التي تظهر أسعارا أقل بكثير من أسعار السوق المنصفة.
وثالثا فيديو لأحد السياسيين يزعم أن جنسية المستثمرين العرب ستسحب في حال تغير الحكومة في تركيا عام 2023.
وبخصوص النقطة الأولى، أوضح دينيز باران، المحامي التركي المقيم في إسطنبول وعضو هيئة التدريس في قسم القانون الدولي بجامعة إسطنبول، أنه لا يمكن للسوريين قانونا تملك العقارات في تركيا، ولهذا السبب إما أن يتقدم المستثمرون السوريون للحصول على الجنسية التركية من خلال أنواع مختلفة من الاستثمارات غير الاستثمار العقاري (مثل إيداع 500 ألف دولار أميركي في أحد البنوك التركية)؛ أو استخدام أي جواز سفر آخر لشراء عقارات في تركيا، إن كان بحوزة المستثمر، وتلك الجوازات معظمها جوازات سفر دول أميركا اللاتينية أو دول الكاريبي.
وأضاف باران في مقال له على موقع “الجزيرة نت”: “مع ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ المستثمرون السوريون الأصل -لكنهم يستخدمون جواز سفر بلد آخر- في التقدم للحصول على الجنسية التركية من خلال الاستثمار العقاري، إلا أنهم في هذه الحالة مضطرون للتوقيع على وثيقة رسمية تنص على أنهم (على دراية بالمخاطر التي تهدد عقاراتهم) وأنه قد يتم مصادرتها من قبل السلطات التركية إذا تم اكتشاف أصولهم السورية”.
ونبه باران إلى أن هذا الإجراء الجديد تسبب في ارتباك كبير، وبعد فترة وجيزة من إدخال هذا الإجراء، نُشرت صور أمر إداري جديد تم تسليمه إلى مكتب تسجيل سند الملكية على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لهذا الإجراء الجديد. وكانت وثيقة حقيقية وغير مزيفة، وهذا هو ما جعل ارتباك المستثمرين من أصول سورية يتحول فجأة إلى ذعر وخوف كبيرين.
غموض وعدم وضوح
ورأى “أن ذعرهم وخوفهم له ما يبرره”، قائلا: “عندما اطلعنا -بوصفنا محامين- على الأمر الإداري الجديد، كان الأمر محيرا ومقلقا للغاية بالنسبة لنا بسبب غموض لغته”.
“كما أن محتواه لم يكن واضحا بشكل كاف. ولذلك، اتصلنا مباشرة بمسؤولين كبار لفهم ما يجري بالفعل، إذ إنه إذا تفاقم الذعر والخوف أكثر، فسيكون لذلك تأثير مدمر على مصداقية الجنسية التركية وسياسات الاستثمار”، كما أضاف المحامي باران.
ولفت الانتباه إلى أن نقطة الانطلاق في هذه القضية الجديدة كانت هي قانون يعود تاريخه إلى عام 1966، عندما صادرت سوريا ممتلكات المواطنين الأتراك في أرضها عام 1962، وهو ما ردت عليه الحكومة التركية بمصادرة ممتلكات السوريين في تركيا عام 1966، وهذا هو ما يسمى “مبدأ المعاملة بالمثل” في القانون الدولي.
وبيّن أن قرار الحكومة التركية كان ساري المفعول فقط على السوريين في تركيا الذين ليس لديهم جوازات سفر تركية، وانطلاقا من هذا القانون، أصبح -بشكل تلقائي في السنوات التالية- تملّك العقارات في تركيا محظورا على السوريين. وكنتيجة أخرى لهذا القانون، عندما يكون شخص غير سوري (على سبيل المثال، شخص يحمل الجنسيتين التركية والسورية) ولديه ورثة سوريون وعقارات في تركيا، فلن يتمكن هؤلاء الورثة من الحصول على تلك العقارات في حالة وفاة المالك الأصلي غير السوري.
وأفاد المحامي التركي أنه “في هذا السيناريو، سيتم مصادرة الميراث من قبل السلطات العامة، وبيعه قسرا، وسيتم تسليم الأموال فقط للورثة السوريين، وهذا الإجراء ظل مستمرا حتى يومنا هذا”.
مثير للدهشة
ومع ذلك، لفت الانتباه إلى أنه “لم يكن هناك حظر واضح على السوريين الذين يحملون جنسية تركية أو أي جنسية أخرى لشراء وامتلاك عقارات في تركيا، وهذا هو السبب في أن الإجراء المذكور أعلاه لم يكن يشمل هؤلاء الأشخاص وحتى عندما بدأ قانون الجنسية الاستثنائي من خلال برنامج التملك العقاري في عام 2017، لم يتم إعفاء هؤلاء السوريين من البرنامج وفتح ذلك الباب أمام آلاف السوريين للحصول على الجنسية التركية من خلال جوازات سفر مختلفة (غير سورية)”.
لكن ما وصفه بـ”المثير للدهشة”، أن الأمر الإداري الجديد كان ينص على وجود بعض “الآراء القانونية” للسلطات العامة المختلفة في الماضي مثل وزارة الخارجية التركية التي تقول إنه يجب مصادرة عقارات الأشخاص من أصل سوري حال اكتشاف أصولهم الحقيقية بغض النظر عن حقيقة كونهم اشتروا عقاراتهم من خلال جواز سفر آخر غير جواز السفر السوري الذي لديهم.
وتابع: “صحيح أنه كان هناك مثل هذا الرأي القانوني الذي تم تداوله بين السلطات العامة منذ عقود، لكن وثائق الرأي -مثل الوثيقة الآنفة الذكر- ليست ملزمة قانونا، ولا يتعين على السلطات العامة تنفيذها اليوم”.
وأشار إلى أن “ثمة قاعدة مؤكدة فقط وهي أن السوريين لا يستطيعون تملك العقارات، وهذا هو كل شيء. ومع ذلك، فإن “المديرية العامة للعقارات الوطنية” (“Milli Emlak” باللغة التركية) وجدت فجأة هذا الرأي الهامشي من الصفحات المتربة من التاريخ فقامت بحثِّ دائرة تسجيل الطابو على إخطارها في حال اكتشاف أي مستثمر عقاري سوري الأصل”.
وأضاف المحامي باران: “هذا هو السبب في أن مديرية تسجيل صك الملكية بدأت الإجراء الجديد فقط لإبلاغ المستثمرين السوريين مسبقا، وفي الواقع، هذا الشكل ليس له أهمية قانونية كبيرة. ويجب أن تكون القواعد إما موجودة أو غير موجودة، بغض النظر عن وجود هذا النموذج، والحقيقة أنه لا توجد قاعدة واضحة تمنح المديرية العامة الوطنية للعقارات الحق في مصادرة العقارات المملوكة للأجانب الذين لم يشتروا عقاراتهم بجوازات سفرهم السورية. وهذا بشكل حاسم وقاطع”.
وتابع: “علاوة على ذلك، فإن الحق في الملكية هو حق مقدس وفقا للدستور التركي. ولا يمكن تقييد هذا الحق إلا بقواعد واضحة للغاية يمكن للجميع توقعها. وهذا هو السبب في أن الأمر الإداري الجديد -في حال تنفيذه- لن يكون متماشيا مع الدستور التركي كما أن مثل هذا التنفيذ الجائر يتعارض أيضا مع المبدأ القانوني الرئيسي لقوانين الجنسية التركية التي تعتبر المواطنين المجنسين مساوين لجميع أنواع المواطنين من حيث التمتع بالحقوق”.
بشرى وتطمين
وانطلاقا من الأسباب المذكورة أعلاه، قال المحامي التركي: “وصلنا إلى كبار المسؤولين وتحدينا هذا النظام الإداري الجديد الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير دستورية، وقد أخذوا رسائلنا على محمل الجد وبعد بعض المراسلات المطولة بين السلطات العامة، أكدت السلطات العليا نفسها أخيرا أن مثل هذا الأمر لن يشمل الأشخاص من أصول سورية الذين اشتروا عقارات في تركيا بجواز سفر آخر وينتظر أن تعرقل هذه الإجراءات الإدارية الجديدة في الوقت الحالي”.
وتابع: “هذه بشرى لمن هم في حالة ذعر وخوف”.
ولفت الانتباه إلى أن “الجزء الوحيد المفقود هو أن السلطات لم تستطع إصدار أمر كتابي جديد يثبت هذا التأكيد على الرغم من أننا طلبنا منهم ذلك بإلحاح، ومن دون مثل هذا الأمر الكتابي، سيكون هناك دائما بعض الشك بين المستثمرين السوريين”.
لكن “النقطة الجيدة”، بحسب وصف المحامي التركي، “هي أن السلطات العليا على الأقل تؤكد الآن أنه لا يوجد خطر عليهم! فالأمر الجديد لن يكون ساري المفعول إلا بالنسبة لورثة المستثمرين في العقار من السوريين الذين ليس لديهم أي جنسية أخرى، وهذه على أي حال ليست قاعدة جديدة”.
وفي مقالته اقترح تقديم ما أسماه “اقتراحا متواضعا” للمستثمرين السوريين الأصل الذين يخططون للاستثمار في تركيا والتقدم بطلب للحصول على الجنسية التركية، “وهو أنه عند تقديم أوراقك أثناء تقديم الطلب، يرجى تقديم شهادات الميلاد التي حصلت عليها من دولة جواز السفر بدلا من شهادات الميلاد السورية، إن أمكن، حتى تتمكن من تخفيف المخاطر تماما”.