ما هو مصير الطلاب السوريين في الجامعات والمدارس التركية في حال تم تطبيق خطة العودة الطوعية إلى سوريا
يستعد الطلاب السوريين في تركيا للالتحاق بمدارسهم في الثاني عشر من شهر أيلول الجاري وفق التقويم المعتمد من وزارة التربية والتعليم التركية للعام الدراسي 2022-2023، إذ ستكون هذه السّنة الأصعب على قسم كبير منهم، ولتوضيح هذا الأمر لا بد لنا من توطئة سريعة عن نظام التعليم التركي وكيف تم دمج الطلاب السوريين فيه.
قبل أن يبدأ مشروع دمج الطلاب السوريين بنظام التعليم التركي كان الطلاب يتلقون دروسهم في “مراكز تعليم مؤقتة” مدارس أهلية بمعظمها تتلقى دعماً من بعض الجمعيات الخارجية والقليل منها يأخذ أقساطاً رمزية من الطلاب الذين تابعوا تعليمهم من حيث توقفوا في سوريا بنفس المنهاج السوري المعدل الذي أصدرته هيئة علم بتمويل قطري بالتنسيق مع التربية التركية تحت إشراف معلمين سوريين بالكامل مع وجود منسق تركي ومعلم تركي بنصاب حصة واحدة لكل صف أسبوعياً.
البرنامج تم إطلاقه من قبل وزارة التربية والتعليم التركية بدعم من مفوضية الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وأطلق عليه مشروع “دمج اللاجئين الأطفال السوريين” PICTES أو PIKTES بحسب اللفظ التركي في النظام التعليمي الوطني التركي، ويتم تغطية كامل ميزانية المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي في إطار “برنامج الدعم المالي لأجل اللاجئين في تركيا”.
وكان الدمج تدريجياً بحيث يلغى كل سنة صفين دراسيين من المرحلة إلى أن يتم دمج جميع الطلاب بشكل نهائي في نظام التعليم التركي وتكفّلت مفوضية الاتحاد الأوروبي بتغطية كل النفقات المترتبة لإتمام خطة دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية خلال الأعوام ما بين 2016- 2021، بما في ذلك تعيين نحو 5 آلاف مدرّس تركي لإعطاء دروس تقوية في اللغة التركية للطلاب السوريين.
وجاء ذلك تحضيراً لدمجهم النهائي مع أقرانهم الأتراك داخل المدارس التركية بمعدل 15 حصة لغة تركية أسبوعياً يقابلها 15 حصة لبقية المواد الأدبية والعلمية والفنية. وتقاضى كل مدرّس من هؤلاء المدرّسين مرتباً شهرياً بلغ نحو 1000 دولار أمريكي مقدمة من المفوضية الأوروبية.
قرارات التربية التركية بخصوص الطلاب والمعلمين السوريين كانت غير مستقرة وتتغير سنويا، وآخر قراراتها العام الفائت قضى بفصل ما يقارب 9000 معلم والإبقاء فقط على 3000 من أصل ما يقارب 12000 معلم سوري متطوع كانوا ضمن المدارس التركية كمشرفين ومساعدين للمدارس التي يوجد فيها طلاب سوريون أو معلمون للغة العربية والدّين في بعض المدارس التركية.
أما بالنسبة للطلاب السوريين في المراحل الدراسية ما قبل الجامعية فهم أمام خيارات صعبة ولكن لابد منها لإتمام حياتهم الدراسية، وهنا سنتطرق إلى أهمها:
1- إكمال الدراسة في المدارس الحكومية التركية؛ هذا هو الخيار الأشهر بحيث يتجه أغلب الأهالي إلى تسجيل أبنائهم بأقرب مدرسة حكومية من منزلهم وفق القوانين التركية المعمول بها ولكن ما زاد معاناة الأهالي في السنتين الماضيتين هو زيادة الشروط لقبول الطالب الأجنبي في المدارس التركية حيث يشترط وجود كملك (هوية) صادر عن نفس الولاية التي يقيم بها الطالب وسند إقامة من ذات الحي الذي سيتابع فيه دراسته، ورغم أن هذه المدارس مجانية إلا أن لكل مدرسة لباساً مدرسياً خاصاً يتفاوت سعره بين الولايات ويزيد كل عام ناهيك عن المستلزمات الأخرى من حقائب وقرطاسية متوسط تكلفتها بين 400- 500 ليرة تركية للطالب الواحد.
يضاف إليها عدم قبول بعض مديري المدارس تسجيل الطلاب إلا بدفع مبلغ مادي (عائدات) قد تصل إلى 1000 ليرة تركية ما قد يزيد العبء على كاهل الأهالي في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية وتضخم تجاوز الـ70 بالمئة وفق الأرقام الرسمية.
يرتبط نجاح الطالب في هذه المدارس بعدة عوامل أهمها إتقانه للغة التركية، حيث يتلقى الطالب تعليمه بهذه اللغة أسوة بأقرانه الأتراك، أضف إلى ذلك إمكانية تأقلمه في البيئة الجديدة خاصة ممن تلقوا جزءاً من تعليمهم في المدارس المؤقتة، حيث كانوا في وسط سوري ولغة عربية يدرسون المنهج السوري، وهذا ما جعل العديد من الطلاب يعانون من التنمر وأحياناً العزوف عن التعليم، فقد غاب عن هذا الطالب أهم عاملين كانا يربطانه بالمدرسة (اللغة والبيئة المحيطة)، ولا يمكن إغفال أحد أهم الأسباب التي كانت ولا تزال سبباً في المشاكل والتفرقة بين الطلاب فقد ازداد خطاب الكراهية بالفترة الأخيرة والذي أثر سلباً على الطلاب السوريين بشكل كبير.
2- التعليم التركي المفتوح (Açık Öğretim) يزداد عدد طلاب التعليم المفتوح من السوريين لعدة أسباب منها عدم حاجته لدوام فعلي فالحضور للامتحانات والنجاح يخول الطالب دخول الجامعة، إضافة إلى انقطاع الكثير من الطلاب عن الدراسة بسبب الحرب الدائرة في سوريا منذ سنوات ما جعل التعليم المفتوح خياراً مناسباً لهم.
ويعتبر التعليم المفتوح الخيار الأنسب للطلاب الذين اضطرتهم الظروف للعمل بعد أن أصبحوا معيلين لأسرهم فوجدوا في هذا الخيار القدرة على العمل والدراسة في آن واحد، وفي لقاء أجراه موقع أورينت مع محمد الكردي أخبرنا أنه أصيب بصدمة كبيرة حين انتقل من مدرسته السورية إلى المدرسة التركية بعد قرار الدمج إذ تعرض للتنمر والعنصرية –رغم معرفته الجيدة باللغة التركية_ من زملائه بالصف ما أجبره على ترك المدرسة نهائياً والاتجاه إلى التعليم المفتوح.
3- الالتحاق بإحدى المدارس الدولية: يبقى هذا الخيار محصوراً بفئة ميسوري الحال من الأجانب والعرب الموجودين في تركيا نظراً لارتفاع أقساطه التي لا يقدر قسم كبير من السوريين في تركيا على تحمل أعبائها، وفي هذه المدارس يدرس الطالب أحد المناهج الدولية المعتمدة حسب النظام التعليمي في المدرسة التي تكون مرتبطة بشكل مباشر بسفارة الدولة نفسها في تركيا فعلى سبيل المثال لا الحصر توجد مدارس (ليبية وسودانية ولبنانية وعراقية ويمنية وفلسطينية…) تعطي شهادة معتمدة من ذات الدولة ويمكن للطالب من خلالها متابعة تعليمه الجامعي بشكل طبيعي بعدها.
لا يخفى على أحد استخدام جميع الأحزاب التركية ورقة إعادة اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً لاستقطاب الناخبين الأتراك كلّ إلى صفه. وقد تتالت التصريحات الرسمية التركية حول برنامج يتم إعداده وتحضيره لإعادة ما يقارب مليون سوري إلى الشمال السوري المكتظ أصلا، فقد بلغ عدد السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية 4 مليون بينهم 2.1 مليون نازح من مختلف المناطق السورية حسب آخر إحصائية لمنسقي الاستجابة ويبلغ عدد سكان المخيمات مليوني و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1293 مخيماً، من بينها 282 مخيماً عشوائياً.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل المعطيات السابقة لدراسة العملية التعليمية في الشمال السوري (مناطق المعارضة) التي تشرف عليها حكومتان منفصلتان هما الحكومة المؤقتة وتشرف على التعليم في مناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وحكومة الإنقاذ وتشرف على التعليم في إدلب وما حولها وبعض من مناطق ريف حلب، ولبحث سير العملية التعليمة في هذين المنطقتين تواصل موقع أورينت نت مع مسؤولين ومعلمين في تلك المناطق للوقوف على أهم التطورات في التعليم في المناطق المحررة واستعدادها للعام الدراسي الجديد واستقبال طلاب جدد قد يتوافدون إليها بأعداد كبيرة هذا العام.
تشرف حكومة الإنقاذ على إدارة العملية التعلمية ويتفرع عنها 4 مديريات تربية مديريات تربية إدلب، حلب، الساحل، المخيمات وتعتمد على المنهاج السوري المعدل كما أخبرنا الأستاذ علي العتك وهو نائب نقيب المعلمين في إدلب ويضيف التعليم العام في إدلب يواجه مشكلة كبيرة بعد تدنى مستواه إثر ظهور المدارس الخاصة التي حققت نجاحات على المستوى التعليمي والإداري واستقطبت العديد من المعلمين المتميزين، ويُرجع العتك سبب هذا وجود نسبة كبيرة تصل إلى 40 % من المدارس لا تتلقَ دعم أي جهة والمعلمون يدرسون فيها بشكل تتطوعي بينما تتكفل منظمات تابعة للاتحاد الأوربي بـ 40 % من المدارس والنسبة المتبقية تتلقى دعماً من جمعيات ومنظمات أهلية ومحلية.
ويؤكد العتك على ازدياد عدد المدارس الخاصة على حساب العامة مما يزيد العبء على الأهالي من ذوي الدخل المحدود والضعيف ويتابع “توجد في مدينة الدانا وحدها 6 مدارس عامة بينما يقابلها 21 مدرسة خاصة وهذا مؤشر خطر بالنسبة للتعليم العام”، أما بالنسبة للمنهج وتوزيع الحصص الدراسية والاعتراف بالشهادات الصادرة عنهم فيقول العتك أن المنهج هو ذاته المنهاج السوري المعدل(منهاج الحكومة المؤقتة ) وتوزيع الحصص موحد حسب الخطة الموضوعة من الوزارة ولا مكان لدروس اللغة التركية فيه باستثناء بعض المدارس الخاصة، تقوم الحكومة المؤقتة سنوياً بتصديق وختم الشهادة للطلاب الناجحين في الثانوية والذين يفوق عددهم استيعاب الجامعات في الشمال في وقت يجد فيه الخريجون الجدد صعوبة بدخول سوق العمل هناك.
وللحديث عن وضع التعليم في مناطق نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات قام موقع أورينت نت بلقاء مع حسن الأحمد وهو أحد الكوادر التعليمية في مدينة جرابلس، حيث قال إن التعليم هناك يعاني من مشاكل كثيرة أهمها عدم توفر ماء صالحة للشرب في قسم كبير من المدارس، بالإضافة عدم توفر نسخ كافية من المنهج لجميع الطلاب ولم يتم طباعة كتب الاجتماعيات حتى الآن.
يتابع الأحمد حديثه “المسؤول المباشر عن التعليم هي مديرية التربية في المنطقة، حيث تم إلغاء مكتب التربية واستبداله بمديرية تربية والمدير فيها لا يملك من الأمر شيئاً ويرجع في كل شيء إلى المستشار التركي في المنطقة ليأخذ بدوره القرار المناسب”.
يتم توزيع الحصص في هذه المناطق بشكل مختلف عن جميع مناطق سوريا بمعدل 4 حصص لغة تركية و4 حصص للغة العربية ومثلها للرياضيات ويتم توزيع بقية النصاب من المواد العلمية والأدبية على ما تبقى من الحصص الشاغرة.
هذا هو حال التعليم في الداخل السوري المحرر الذي قد يستقبل في عامه الجديد عدداً من الطلاب العائدين من تركيا؛ عودة قد تصحبها انعكاسات سلبية على الطلاب العائدين بشكل خاص وعلى المجتمع هناك بشكل عام وللتوسع في هذا الموضوع أجرى موقع أورينت نت مقابلة مع الأستاذ حسن الخليل المشرف التعليمي والتربوي في مركز زيتونة السلام في إسطنبول .
يقول الخليل إن عودة الطلاب إلى سوريا بشكل مفاجئ قد ترافقها انعكاسات سلبية على الطلاب والمجتمع فمعظم الطلاب بدؤوا بإتقان اللغة التركية وفهمها وبالتالي بدأ مستوى النجاح والتفوق بين الطلاب السوريين يرتفع بشكل ملحوظ، اهتمامهم الكبير بتعلم اللغة التركية رافقه جهل قسم كبير منهم بلغته الأم قراءة وكتابة وبالتالي عودته للتعلم بغير لغة المنهج الذي درسه ستشكل له صدمة فبعد أن كان متفوقاً على أقرانه سيعود إلى نقطة البداية مرة أخرى رغم قطعه شوطاً طويلاً في تعلمه اللغة التركية والمنهج التركي.
ومن المحتمل بشكل كبير أن ينعكس هذا الأمر على المجتمع بشكل سلبي فشعور الطالب بالفشل بعد النجاح سيؤدي إلى عزوفه عن التعليم، وبالتالي إلى تفشي الجهل والبطالة في منطقة ما زالت تعاني من ويلات الحرب على حد تعبيره.