التَّارِيخُ:2022.14.10
حَقُّ الْعَبْدِ وَالْحَقُّ الْعَامِّ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ دِينَنَا السَّامِيَّ دِينُ الْإِسْلَامِ يَعْتَبِرُ حُقُوقَ جَمِيعِ النَّاسِ مُقَدَّسَةً وَمُحَصَّنَةً، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ دِينِهِمْ وَلُغَتِهِمْ وَعَرَقِهِمْ وَجِنْسِهِمْ. وَيَأْمُرُ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ الْمَجَالَاتِ وَفِي كُلِّ الظُّرُوفِ، وَبِدَعْمِ الْحقومُرَاعَاةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَيَعِظُ بِالِالْتِزَامِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْحَقِّ الْعَامِّ، وينصَحُ بِالْوُقُوفِ ضِدَّ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
يَأْتِي حَقُّ الْعَبْدِ فِي بِدَايَةِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ الَّتِي تَشْمَلُ حَيَاتَنَا كُلَّهَا. فَرِعَايَةُ حَقِّ الْعَبْدِ هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ إِيمَانِنَا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَالْمُسْلِمُ حَسَّاسٌ وَدَقِيقٌ جِدًّا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْعَبْدِ. وَهُوَ يُدْرِكُ أَنَّ إِزْهَاقَ أَرْوَاحِ النَّاسِ وَالْإِسَاءَةِ لِشَرَفِهِمْ وَحَيْثِيَّاتِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ هُوَ اِنْتِهَاكٌ لِحَقِّالْعَبْدِ.
وَالْمُسْلِمُ لَا يَغْتَابُ وَلَا يَنْقُلُ الْكَلَامَ وَلَا يُنَمْنِمُ وَلَا يَكْذِبُ وَلَا يَفْتَرِي عَلَى أَحَدٍ سَوَاءً فِي الْحَيَاةِ الْوَاقِعِيَّةِ أَوْ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الرَّقْمِيَّةِ. وَيَمْتَنِعُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُسِيءَ إِلَى كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ وَتُخَرِّبُ الْبُيُوتَ. وَلَا يَتَحَدَّثُ عَنْ مَوَاضِيعٍ لَيْسَ لَدَيْهِ عَنْهَامَعْلُومَاتٌ دَقِيقَةٌ.
وَالشُّعُورُ بِالْحِسِّ تُجَاهَ الْحُقُوقِ هُوَ السِّمَةُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْمُسْلِمِ. فَهُوَ يَحْتَرِمُ حُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ. وَيُعَامِلُ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ بِلُطْفٍ. وَيُرَاعِي حُقُوقَ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَدِ أَحَادِيثِهِ:”مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا!” فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي يَتَّخِذُ مِنَ النَّبِيِّ قُدْوَةً لَهُ لَا يَقُومُ بِبِنَاءِ تِجَارَتِهِ عَلَى الْغِشِ وَالْخِدَاعِ. وَيَكُونُ صَادِقاً فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَلَا يُنْقِصُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ. وَلَا يُدْخِلُ الْحَرَامَ إِلَى مَالِهِ بِالِانْتِهَازِيَّةِ. وَلَا يَطْمَعُ فِي مُمْتَلَكَاتِ الْآخَرِينَ، وَلَا يَخْدَعُ النَّاسَ وَلَا يَغْتَصِبُ مُمْتَلَكَاتِهِمْ.
وَالْمُسْلِمُ يَتَمَسَّكُ دَائِمًا بِالْحَقِّ. وَيَحْفَظُ حُقُوقَ الْأَجِيرِ؛ وَيُعْطِيهِأَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ. وَيُؤَدِّي عَمَلُهُ بِإِتْقَانٍ وَيَعْمَلُ بِجِدٍّ لِضَمَانِ أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ الَّذِي يَتَقَاضَاهُ حَلَالاً. وَلَا يَضُرُّ أَبَدًا بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ رِزْقِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَالْأَفَاضِلُ!
إِنَّ الْحَقَّ الَّذِي يُهِمُّ جَمِيعَ فِئَاتِ وَأَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ هُوَ الْحَقُّ الْعَامُّ. وَالْحَقُّ الْعَامُّ لَيْسَ حَقُّ الْأَحْيَاءِ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ حَقُّ أَبْنَائِنَا الَّذِينَ لَمْ يُولَدُوا بَعْد، وَحَقُّ الْأَيْتَامِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُشَرَّدِينَ.
وَإِنَّ انْتِهَاكَ الْحَقِّ الْعَامِّ هُوَ إِثْمٌ عَظِيمٌ. حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ:”وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيٰمَةِۚ”. فَالْمُسْلِمُ يُرَاعِي الْحَقَّ الْعَامَّ فِي كُلِّ مَجَالٍ. وَيَبْتَعِدُ عَنِ الرَّشْوَةِ وَالتَّخْزِينِ وَالسُّوقِ السَّوْدَاءِ. وَيَرَى الْمُسْلِمُ أَنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الْخِدْمَةِ الْعَامَّةِ هِيَ أَمَانَةٌ ثَقِيلَةٌ. فَهُوَ يَعْتَنِي بِعَمَلِهِ، وَيَحْمِي أَمْوَالَ الدَّوْلَةِ، وَلَا يُهْدِرُهَا أَبَدًا، وَلَا يَغْتَصِبُ مُمْتَلَكَاتِ الدَّوْلَةِ. وَيَكُونُ مُتَفَهِّمًا وَصَبُورًا مَعَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُقَدِّمُ لَهُمُ الْخِدْمَةَ. وَلَا يُعَامِلُ الْآخَرِينَ بِطَرِيقَةٍ لَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامَلَ بِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَالْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُنَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ فَيَقُولُ:”لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ طَوَّقَهُ اللّٰهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَة.” لِذَا فَلِنَتَجَنَّبَ اِنْتِهَاكَ حَقِّ الْعَبْدِ وَالْحَقِّ الْعَامِّ حَتَّى لَا نُطَأْطِئَ رَأْسَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي لَا اَمْتِيَارَ فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَيُكْشَفُ فِيهِ عَنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَعَنِالْمَحَقُوقِ، وَالْيَوْمُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْجَمِيعُ عَلَى حُقُوقِهِمْ كَامِلَةً. وَإِذَا كُنَّا قَدْ قُمْنَا بِانْتِهَاكِ أَيِّ حَقٍّ فَعَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَاسْتِسْمَاحهُ. وَلْنَتَذَكَّرَ دَائِمًا أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَنْ يَغْفِرَ لَمِنْ يَنْتَهِكُ حَقَّ الْعَبْدِ وَالْحَقَّ الْعَامِّ إِلَّا إِذَا سَامَحَهُمْ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ.
وَأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:”وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ ف۪يهِ اِلَى اللّٰهِ ثُمَّ تُوَفّٰى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ۟.”
المصادر:
صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الْإِيمَانِ، 164.
سُورَةُ اٰلِ عِمْرٰنَ، 3/161.
صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الْمُسَاقَاَةِ، 141.
سُورَةُ الْبَقَرَةِ، 2/281.s
اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ