كانت الكتابة العربية بدون نقاط ولا تشكيل! ثلاث مراحل حتى وصلت إلينا الكتابة بهذه الطريقة
من المعروف أن العرب كانوا يكتبون الحروف العربية بدون نقاط وتشكيل، وكانوا يستطيعون تميز الكلمات بعضها عن بعض عن طريق السليقة، فمثال كلمة بيت الكل يقرها بيت وليس نبت أو تبت .. الخ
فالجميع يقرأها بشكل صحيح بالاعتماد على سياق الحديث ، فقد كان العرب يتعاملون مع اللغة العربية بسليقتهم أو بفطرتهم وبديهتم.
كانوا يكتبونها دون تشكيل ودون نقط ودون إعجام، وكانوا يميزون بين الحروف بعضها ببعض.
ولما انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ودخل غير العرب في دين الله أفواجا، بدأ اللحن يتسرب إلى
اللغة العربية وعدم التمييز بين الحروف، بل تطرق اللحن إلى كتاب الله عز وجل.
سمع أبو الأسود الدؤلي (أحد الفقهاء العرب المعروفين) رجل يقرأ “إن الله بريء من المشركين ورسوله” والعياذ بالله ، فهب هو و الغائرون على القرآن الكريم وعلى اللغة العربية ليصلحوا هذا الخلل، فكانت المرحلة الأولى على يد أبو الأسود الدؤلي.
أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني (16 ق.هـ/69 هـ)، من ساداتِ التابعين وأعيانِهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدِّثيهم ومن الدهاة حاضرِي الجواب، وهو كذلك عالم نحوي.
وهنا المرحلة التي مر فيها على القرآن الكريم كله بتشكيله، فوضع نقاط وهذه النقاط تدل على النطق السليم ، فأقام مسابقة بين قبائل العرب ثم عمد إلى رجل من عبد القيس رجل ذكي فطن وكان أبو الأسود الدؤلي أعمى، وقال لهذا الرجل:
أنا سأقرأ عليك القرآن الكريم وأثناء القراءة فإذا فتحت فمي بالحرف فضع نقطة فوقه للدلالة على أن الحرف مفتوح، واذا كسرت فمي بالحرف فضع نقطة تحت الحرف للدلالة على أن الحرف مكسور، واذا ضممت شفتي بالحرف فضع نقطة أمام الحرف للدلالة على أن الحرف مضموم.
فمر على القرآن الكريم كله يقرأه وهذا الرجل يسجل النقاط لجميع الحروف بلون مختلف حتى يتميز الحرف عن أخيه.
قرأه مرتين وكانت هذه المرحلة الأولى التي مرت بها اللغة العربية ولكن لم يكن هذا الإصلاح المرجو، فالناس بعدها لم يستطيعوا أن يميزوا الكسرة من الضمة من الفتحة وبدأ اللحن يتسرب مرة ثانية إلى
القرآن الكريم، فجاء الإصلاح الثاني على يد نصر بن عاصم الليثي.
نصر بن عاصم الليثى ( 89 هـ / 708 م)، هو نصر بن عاصم بن عمرو بن خالد بن حرام بن أسعد بن وديعة بن مالك بن قيس بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة من قبيلة كنانة كان فقيها فصيحاً عالماً بالعربية، من تلامذة أبي الأسود الدؤلي الكناني. يعدّ من علماء النحو المبرزين في زمانه، وتوفي في البصرة.
جاء الإصلاح الثاني على يد نصر بن عاصم الليثي وكان الناس لا يميزون بين الحروف المتشابه مثل الصاد والضاد والذال والدال فجاء نصر بن عاصم الليثي على حروف المعجم ورتبها الترتيب الذي عليها اليوم ثم جاء إلى الحروف المتشابهة ب ت ث ، وقال الباء اذا وضعنا نقطة تحتها فيكون الباء واذا فوقه نقطتان فهو التاء واذا وضعنا ثلاث نقاط فهو الثاء.
فمر على حروف المعجم وجميع الحروف المتشابهة مع بعضها ، وبذلك أصبح هناك نقطان ، نقط أبو الأسود الدؤلي الذي يميز بين الأحرف المفتوحة والمكسورة والمضمومة، ونقط نصر بن عاصم الليثي الذي نقط الحروف.
فمثال كلمة بيت تجد نقطة أبو الأسود الدؤلي فوق الحرف للدلالة على أنه مفتوح ونقطة تحته للدلالة على أنه حرف الباء وأصبح عليها نقط تميز الحروف ونقط التشكيل فحصل الخلط مرة أخرى، فلم يستطيع الناس التمييز بين نقط الإعراب وبين نقط الإعجام، فكان لابد من إصلاح ثالث على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي.
الخَلِيل بن أحمد الفراهيدي البصري ( ولد 100 هـ وتوفي 170 هـ / 718م – 786م)؛ واسمه الكامل الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي وكنيته أبو عبد الرحمن، شاعر ونحوي عربي بصري، يُعد عالمًا بارزًا وإمامًا من أئمة اللغة والأدب العربيين، وهو واضع علم العروض، وقد درس الموسيقى والإيقاع في الشعر العربي ليتمكّن من ضبط أوزانه.
جاء الإصلاح الثالث على يد واضع علم الموسيقى الخليل بن أحمد الفراهيدي، فجلس وفكر وابتكر هذا التشكيل الذي نحن عليه اليوم، فالفتحة بعض من الألف ، فجاء إلى الإلف فأخذ نصفها ووضعها مفتوحة على الحرف للدلالة على أن الحرف مفتوح وجاء إلى الياء وأخذ نصفها ووضعها تحت الحرف للدلالة على أن الحرف مفتوح ، وجاء إلى الواو وجعلها واو صغيرة توضع فوق الحرف للدلالة على أن الحرف مضموم.
ثم نظر إلى الحرف المشدد فوضع فوقها رأس السين ثم جعل الحرف الساكن والسكون ضد الحركة فوضع فوق الحرف الدائرة، وبذلك اعتمد أخيرا إصلاح الخليل بن أحمد الفراهيدي.
المصدر: تركيا عاجل