من ديغول إلى ماكرون.. كيف تغير موقف فرنسا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ | سياسة
باريس – منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعربت الحكومة الفرنسية عن دعمها غير المشروط لإسرائيل ودافعت عن حقها في الدفاع عن النفس ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس). عند الحديث عن كواليس الدبلوماسية الفرنسية في شكلها «الرسمي»، يبدو أن الحكومات المتعاقبة لم تتخل عن المبدأ «الديغولي» -الذي سمي على اسم الجنرال شارل ديغول- فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أي «حل الدولتين». ” لكن تاريخ السياسة الخارجية للبلاد كشف عن الابتعاد التدريجي عن هذا المفهوم على مدى نحو 20 عاما، إذ يمثل رئيس الجمهورية الحالي إيمانويل ماكرون مثالا حيا على استمرارية نقطة التحول الصامت هذه التي بدأت من قبل أسلافه نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند. ديغول أيد قرار مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية (مواقع التواصل الاجتماعي) ديغول.. عراب القطيعة. وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل فعليا في نوفمبر 1947 عندما صوتت باريس لصالح قرار الأمم المتحدة الهادف إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، قبل أن تعترف باستقلال إسرائيل بعد عام. وقد مهد هذا الاعتراف الطريق لتعاون مكثف بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بتزويد تل أبيب بالأسلحة النووية أو خلال أزمة قناة السويس المصرية عام 1956. وبعد أيام قليلة من حرب الأيام الستة، قال رئيس الجمهورية آنذاك، وعقد شارل ديجول مؤتمرا صحفيا لإصدار مرسوم بتعليق بيع الأسلحة إلى تل أبيب. . كما أعرب عن تأييده لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هذه الصيغة الجديدة دخلت السجلات الدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، وأحدثت شرخاً وتحولاً حقيقياً مع حليفتها في الحرب ضد القومية العربية في المنطقة. ويرى السيناتور والرئيس السابق لمجموعة “فلسطين-فرنسا” في البرلمان الفرنسي، جلبير روجر، أن الجنرال ديغول تصرف بهذه الطريقة، لأنه يعتقد أن “إسرائيل تريد أن يكون لها موقف توسعي إلى حد ما في الضفة الغربية على وجه الخصوص”. وحينها لم يكن الحديث منصبا على غزة، وأضاف روجر -في حديثه للجزيرة نت- أن موقف ديغول كان يهدف إلى القول لإسرائيل: كفى توقف. هناك حدود لا ينبغي تجاوزها». وميتران هو أول رئيس اشتراكي للجمهورية الخامسة يزور إسرائيل (غيتي) ميتران.. صديق لإسرائيل. وبعد مرور أربعة وثلاثين عاما على تأسيس دولة الاحتلال، أول رئيس دولة اشتراكي يزور إسرائيل (غيتي) ميتران.. صديق لإسرائيل. وزار رئيس الدولة الاشتراكي للجمهورية الخامسة، فرانسوا ميتران، إسرائيل للتحدث أمام الكنيست، ليؤكد أن “الشعب الفرنسي صديق للشعب الإسرائيلي”. كما أنه لم يتردد في التعبير عن تأييده لاتفاقيات كامب ديفيد ومعارضته لدعوات مقاطعة الدولة العبرية، لكنه فاجأ الجمهور بمناقشة “القضية الفلسطينية”، قائلا: “الأمر متروك للفلسطينيين ليقرروا مصيرهم”. مصيرهم بشرط وحيد هو أن يضعوا حقوقهم في احترام حقوق الآخرين، وفي احترام القانون الدولي، وفي الحوار الذي يحل محل العنف. وترجمت تصريحاته على أنها وسيلة للاعتراف بالفلسطينيين الذين كانت تمثلهم منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعتبرتها السلطات الإسرائيلية آنذاك منظمة إرهابية، ويرى روجر أن زيارة ميتران مهدت الطريق لتحسين العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، معربا عن رغبته في ذلك. إعجاب كبير بسياسة هذا الرجل “لأنه لم يخف ارتباطه بإسرائيل، لكنه في الوقت نفسه لم ينأى بنفسه عن الرغبة في الاعتراف بفلسطين”. وأضاف: “لقد أثبت لنا التاريخ للأسف أن زيارته لم “لا تثمر في تحقيق هذا التوازن والسلام والاحترام المنشود.” شيراك (يسار) استقبل في باريس عام 2005 رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون (رويترز) شيراك… حامل راية السلام. واعتبر روجر المواقف إن خطة الجنرال ديغول والرئيسين ميتران وجاك شيراك متوازنة، وتهدف إلى تحقيق الاعتراف بدولة فلسطين، إلى جانب إسرائيل، في سلام وأمن. واليوم، أود أن أقول: “العيب هو أننا لا نعرف حقاً ما يريده الرئيس ماكرون لمستقبل منطقة الشرق الأوسط”. وأضاف أنه في 23 أكتوبر 1996 توجه شيراك إلى رام الله بالضفة الغربية لإلقاء خطاب سلام يهدف إلى التأكيد على أن وجود دولة فلسطينية يعتمد على الأمن الدائم لإسرائيل. وعلق السيناتور الفرنسي السابق على هذه الفترة التاريخية بالقول إن “الرئيس جاك شيراك لم يكن شخصا يتسامح مع الادعاءات الكاذبة. فقد وجد أن خطابه كان بعيدا عن الإجراءات الحقيقية التي تنفذها السلطات الإسرائيلية على الأرض. وهذا ما دفع عليه أن يلقي خطابا بنبرة حازمة.” وأمام نظيره الفلسطيني ياسر عرفات وأعضاء المجلس التشريعي أشار الرئيس الفرنسي إلى “نبل العلاقات الفرنسية الفلسطينية” بعد أيام قليلة من زيارته الحافلة بالأحداث في شوارع القدس. ومنذ ذلك اليوم اشتهر بعبارته الشهيرة “هل تريدني أن أركب طائرتي وأعود إلى فرنسا؟” بسبب استيائه من منع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منه أو التحدث معه خلال زيارته للبلدة القديمة. وبفضل هذا المشهد اكتسب شيراك شعبية كبيرة بين الشعب الفلسطيني والدول العربية، خاصة بعد أن حافظ على علاقات جيدة مع عرفات. ولهذا السبب أيضاً يقول روجر «لو كان ميتران أو شيراك اليوم رئيساً للجمهورية، فأنا على يقين أن كلاً منهما سيدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار ويجلس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل ينهي هذه الحرب الدائمة بين البلدين». فلسطين وإسرائيل”. ماكرون.. موقف غير متوازن. ولكن في عام 2005، شهدت السياسة الفرنسية نقطة تحول مختلفة. وبينما كانت إسرائيل تسحب قواتها من غزة، استقبل شيراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون في باريس. وهو ما أدى إلى بدء فصل جديد في العلاقات التي اتسمت بالنشاط الفرنسي «الضعيف» في ساحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. هذا الخط الجيوسياسي تطور خلال رئاسة نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، وانتقل بدوره إلى حكومة ماكرون الحالية، التي لم تبتعد عن موقف المطالبة بحل الدولتين، بل بشكله «الباهت». وبينما يتفق السيناتور الفرنسي السابق مع الحكومة الحالية في وصف حماس بـ”الحركة الإرهابية”، انتقد روجر موقف رئيس الجمهورية بعدم المطالبة بوقف إطلاق النار. “ماكرون هو من النوع الذي يقول لك نعم ولا في نفس الوقت، وهو دائما متردد بين اليسار”. “والحق. وهذا ما جعله يفقد مصداقيته”. وقد كشف هذا الصراع الحالي عن عدم قدرة فرنسا على التفاوض، وأن الدول العربية ليس لديها ثقة مطلقة في الموقف الفرنسي الحالي، على حد تعبيره. وأشار روجر أيضًا إلى أن باريس لا تطالب بالإخلاء الفوري للفرنسيين من مسرح هذه الحرب، الذين يعملون في منظمات مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو أطباء بلا حدود، أو غيرها من البعثات الدولية. في غزة، في وقت تعاطف فيه ماكرون مع الفرنسيين والإسرائيليين. الذين تأثروا بشدة. ووصف السيناتور الفرنسي السابق سياسة ماكرون بأنها “توازن غير مستقر”، موضحا “يؤسفني أن أقول إننا لا نهتم بالمواطنين في غزة”.