7 عملات عربية تنهار بشكل لا يصدق خلال سنوات قليلة
في فترة مبكرة من الثمانينيات، كانت العملات العربية، بما في ذلك تلك التي تنتمي للدول ذات الاقتصادات المتنوعة، تُعتبر عنصراً قوياً في ساحة الصرف العالمية، وذلك بمواجهتها للعملات الأجنبية.
وكأن الدولار الأميركي كان يُقدَّر بأرقام تمثّل حقيقةً مرسومة في قواعد بيانات البنك الدولي:
قليلاً أكثر من 70 قرشًا مصريًا فقط. حوالي 3.9 ليرة سورية. ثلاثة دولارات للدينار الأردني. 2.6 دولارًا للجنيه السوداني. 3.4 دولارات للشلن الصومالي. دولارين للدينار العراقي.
غير أنّ الثمانينيات شهدت توجهات مختلفة، فقد كانت بعض الدول العربية تتبع نظامًا اقتصاديًا اشتراكيًا مع تدخل الدولة بشكل كبير، وكانت معظم علاقاتها الخارجية تخضع لآليات تبادلية متوازنة، وكانت التجارة الخارجية محدودة نسبياً بسبب التفضيل للصادرات على الواردات، وذلك من خلال شركات القطاع العام.
كان السفر للخارج وحاجة الناس للعملات الأجنبية ليست عبئاً كبيراً على النقد الأجنبي، حيث اعتمدت السياسة النقدية نظامًا لتسعير العملة المحلية، مما جعل أسعار صرف العملات العربية غير متأثرة بعمليات العرض والطلب.
قبل تحرير أسعار الصرف في الدول العربية خلال الثمانينيات، كان من الصعب الحصول على العملات الأجنبية بسبب الشروط الصارمة، ولم تكن البنوك تلبي احتياجات الزبائن بشكل جيد، مما أدى إلى ظهور سوق سوداء للصرف، لكنها لم تكن نشطة أو تؤثر بشكل كبير على أسعار الصرف.
وفي عام 2024، تغيرت الأمور بشكل كبير، إذ أصبحت أسعار صرف العملات العربية للدول غير المنتجة للنفط تتعرض لتراجع حاد أمام العملات الأجنبية.
السعر الرسمي للدولار الأميركي حاليا كما يلي:
30 جنيهًا مصريًا. حوالي 546 جنيهًا سودانيًا. حوالي 1450 دينارًا عراقيًا. 1114 ريالًا يمنيًا. 492 ليرة سورية. 571 شلناً صوماليًا. 3.1 دينارًا تونسيًا.
أشار تقرير الاقتصاد العربي الموحد لعام 2022 إلى انخفاض قيمة بعض العملات العربية في عام 2021 بالنسبة للجنيه السوداني بنسبة 588%، والريال اليمني بنسبة 314%، والدينار الليبي بنسبة 224%، والليرة السورية بنسبة 140%.
من بين الأسباب التي أسهمت في تدهور القيمة النقدية في البلدان العربية هو الارتفاع الملحوظ في معدلات الفساد، خصوصاً في الدول التي تعاني من عدم استقرار سياسي وأمني.
تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2023 كشف أن جميع الدول التي شهدت انهيارًا أو تراجعًا في قيمة عملتها في المنطقة العربية، تعاني من مشكلات فساد. على سبيل المثال، تحتل الصومال المرتبة الأخيرة في قائمة الدول بمؤشر الشفافية، تليها سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، ومصر على التوالي، حيث يضم المؤشر 180 دولة.
يجب التمييز بين انهيار عملات بعض الدول وتراجع قيمة عملات البعض الآخر، خاصة خلال العقدين الماضيين.
الانهيار الذي شهدته سوريا، لبنان، السودان، اليمن، الصومال، والعراق، لا يُنكر، أما الحالة في مصر وتونس، فهي لا تزال تعاني من تراجع واضح، ولم تصل بعد إلى مرحلة الانهيار، ولكن لا تتوفر في كل منهما هياكل إنتاجية قوية تساعد على تعزيز الصادرات ومواجهة هذا التدهور في قيمة العملة.
في بداية التسعينيات، شهد العالم طفرة في العولمة الاقتصادية، مما أدى إلى تحول اقتصاديات الدول العربية إلى اقتصاديات سوقية، مع تعديلات في سياساتها النقدية والمالية والإنتاجية.
عندما انضمت غالبية الدول العربية غير النفطية إلى برامج الإصلاح بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، اضطُرت لتحرير أسعار صرف عملاتها المحلية، مما فتح أبوابًا جديدة أمام تدفقات العملات.
مع تزايد التفاعل الاقتصادي مع العالم الخارجي، ازدادت حركة الواردات والسفر، مما أدى إلى طلب متزايد على العملات الأجنبية.
للأسف، فإن الحكومات العربية لم تنجح في إدارة العولمة الاقتصادية بشكل فعّال، بل اكتفت بمشاهدة انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي، مما زاد من تفاقم الوضع، فالدولة تظل مسؤولة عن التخطيط الاقتصادي الشامل وضبط مؤشرات الاقتصاد لتحقيق التوازن.
بيانات التجارة الخارجية تشير إلى نمو كبير، لكن الدول العربية غير النفطية تعاني جميعها من عجز في ميزانياتها التجارية، مما يؤثر سلباً على الطلب على العملات الأجنبية، مثل الدولار.
على سبيل المثال، صادرات مصر من السلع والخدمات في عام 1980 كانت 6.6 مليار دولار، وزادت في 2022 إلى 71 مليار دولار، بينما زادت وارداتها من السلع والخدمات من 9 مليارات دولار إلى 104 مليارات دولار خلال نفس الفترة، مما أدى إلى زيادة في العجز من 2.4 مليار دولار إلى 33 مليار دولار، وهو ما يظهر بوضوح الطلب المتزايد على العملات الأجنبية.
بعيداً عن ذلك، شهدت بعض الدول العربية أحداثاً سياسية وأمنية مدمرة، تركت آثاراً وخيمة على الوضع الاقتصادي في تلك البلدان. على سبيل المثال، في الصومال، انهارت مؤسسات الدولة في بداية الثمانينات، بينما تعرض السودان لمجموعة من الأحداث السياسية المتلاحقة، أبرزها انفصال جنوب السودان في عام 2011، وثورة أبريل/نيسان 2019 التي أطاحت بنظام البشير.
وفي العراق، جلب الاحتلال الأميركي في عام 2003 مزيدًا من الفوضى والاضطرابات. بالإضافة إلى ذلك، شهدت العديد من الدول العربية بعد فترة الربيع العربي نزاعات مسلحة مدمرة في ليبيا وسوريا واليمن. ولم يسلم لبنان أيضًا من أزمة اقتصادية في نهاية عام 2019، وتفاقمت هذه الأزمة في عام 2020 وما بعده.
وعانت مصر وتونس من تداعيات سلبية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي بعد فترة الربيع العربي.
في ظل التقلبات التي شهدتها بعض الدول العربية، سواء بانهيار قيمة عملاتها أو تدهور حالتها الاقتصادية، تأثرت مؤشراتها الاقتصادية الأخرى بشكل كبير، بما في ذلك الاحتياطي الأجنبي.
توضح الأرقام التي نشرها البنك الدولي الاتي:
على الرغم من هذا الانخفاض الكبير في الاحتياطيات الأجنبية في بعض الدول العربية، إلا أن الدول النفطية العربية ساهمت في بعض الحالات في دعم هذه الاحتياطيات، من خلال إيداع مبالغ مالية في البنوك المركزية لتلك الدول، للمساعدة في تعزيز استقرارها المالي.
مصر وتونس تمثلان مثالاً واضحاً على هذا النوع من الدعم.
بسبب انهيار العملات العربية في الدول غير النفطية، يتحمل المواطن أعباءً عديدة. أحد أبرز هذه الأعباء هو انخفاض قيمة المدخرات لأولئك الذين يحتفظون بمدخراتهم بالعملات المحلية. يمكنك تخيل الوضع في السودان، حيث كان سعر الدولار يعادل ما بين 40 و50 جنيهاً، ثم ارتفع إلى أكثر من 500 جنيه.
في مصر على سبيل المثال، كان سعر الدولار في بداية الألفية الثالثة حوالي 3.30 جنيهات، ثم ارتفع في عام 2024 إلى حوالي 30 جنيهاً للسعر الرسمي. هذا الوضع تكرر في العديد من الدول الأخرى التي شهدت انخفاضاً أو انهياراً في قيمة عملاتها المحلية.
وكان التضخم نتيجة حتمية لانخفاض وانهيار العملات العربية. وفقًا لأرقام النشرة الفصلية للربع الرابع من عام 2023، التي تصدرها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، فقد بلغ معدل التضخم في السودان عام 2023 حوالي 256%، وفي لبنان 238%، وفي سوريا 135%، وفي مصر 23%، وفي اليمن 14.9%. على الرغم من أن معدلات التضخم في تلك الدول شهدت قفزات أعلى من السنوات السابقة، فإن انخفاض الأرقام في عام 2023 يعزى إلى طبيعة المقارنة بالعام السابق.
ومن بين الظواهر السلبية المرتبطة بانخفاض وانهيار العملات العربية، ظهور ظاهرة الدولارة، حيث انتقل أصحاب المدخرات والتجار إلى ربط مدخراتهم وأنشطتهم التجارية بالدولار للبيع والشراء، مما جعل الجميع يتجنب العملات المحلية.
وانتقل المرض الخاص بالدولارة إلى ظهور مضاربين جدد في العملات الأجنبية، مما أدى إلى زيادة الأعباء على النشاط الاقتصادي من خلال التخلي عن الإنتاج أو خلق وظائف جديدة، مما أثر على استقرار الاقتصاد وزيادة الأعمال الريعية.
ونتيجة لارتفاع معدلات التضخم لسنوات متتالية دون تحسن في الأداء الاقتصادي بشكل عام، ارتفعت معدلات الفقر. وفقًا لمسح مؤسسة الأسكوا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعام 2021-2022، يعيش حوالي 35.3% من سكان المنطقة العربية (باستثناء دول الخليج وليبيا) تحت خط الفقر، مما يصل إلى حوالي 130 مليون شخص.
وأظهر المسح أن الفقر بلغ مستويات مقلقة في بعض الدول التي تعاني من انهيار عملاتها، مثل الصومال حيث وصل إلى 72%، واليمن 88%، ولبنان 68.6%، والسودان 54%، والعراق 20%، ومصر 32%.
وفي بعض التقديرات، سواء كانت من بيانات قطرية أو أممية، هناك نسب أخرى للفقر. على سبيل المثال، في مصر، كانت آخر تقديرات مستويات الفقر حوالي 29.7%، بينما ذكر المرصد الأورومتوسطي أن نسبة الفقر في سوريا وصلت إلى 90%.
تُعتبر قيمة العملة في أي اقتصاد مؤشرًا دقيقًا يعكس الحالة الاقتصادية، باستثناء الحالات الاستثنائية، حيث يُصنف كل من ليبيا والعراق كدول نامية على الرغم من كونهما دولتين نفطيتين، وذلك قبل حدوث الأزمات السياسية أو الأمنية.
على الرغم من أن النفط يُعتبر عاملًا مساعدًا لتحسين سعر صرف العملات في الدول المنتجة له، إلا أنه لم يؤثر بشكل كبير على التنمية.
لا يُتوقع أن يتحسن سعر صرف العملات العربية المنهارة في الفترتين القصيرة والمتوسطة نظرًا للاستمرار في حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.
الأداء الاقتصادي الكلي ضعيف، وذلك بسبب هشاشة الناتج المحلي، واستمرار العجز في الميزان التجاري، وعجز الموازنة، وانخفاض الاحتياطيات من النقد الأجنبي، مما يُضعف الأمل في تحسن سعر صرف العملات العربية المنهارة أو المتراجعة.
حتى في العراق وليبيا، اللتين تستفيدان من تدفق النقد الأجنبي بفضل صادرات النفط، تُعتبر زيادة معدلات الفساد عائقًا أمام التنمية الاقتصادية وتحسين سعر الصرف.
في مصر وتونس، لا يُتوقع تحسن سعر صرف عملتيهما في المستقبل القريب نظرًا لاتفاقياتهما مع صندوق النقد الدولي.
تطبيق الإجراءات المطلوبة لا يمكن أن يُساعد على تحسين سعر الصرف، بل يُفضل خفض قيمة العملة الوطنية.
أما في دول النزاع مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال والسودان، فإن بعضها تفتقر إلى سلطة حكومية، مما يؤدي إلى عدم وجود سيطرة من السلطات النقدية على إدارة سعر الصرف وعدم تطبيق آليات السوق المفتوحة بسبب نقص الاحتياطات اللازمة وعدم التحكم في التدفقات النقدية. وبالتالي، لا يُتوقع تحسن سعر الصرف في هذه الدول.
المصدر: الجزيرة