ملحمة اللجوء إلى ألمانيا ينحتها لاجئ سوري على الخشب
يتطلب الحفر على الخشب مهارات حرفية عالية، إضافة إلى مخيلة واسعة لنحت ما هو مميز لتبدو المنحوتات المنجزة وكأنها لوحات مرسومة بأنامل فنان متقن. والفنان “فاضل الخضر” من الفنانين السوريين الشباب الذين برعوا في هذا المجال، استهوته رائحة الأخشاب منذ الطفولة فاكتسب ملكة التمييز بين أنواعها إن كانت من “الزان” أو “الدلب” أو”السنديان” أوغيرها، وعندما كبر بدأ يتعامل مع هذه الأخشاب في تصميم الموبيليا وقطع الأثاث والتزيين، غير أن طموحه كان أكبر من ذلك، إذا بدأ يتعامل مع سطوح الخشب الصماء ليحولها إلى لوحات فنية تحمل لمسات الإبداع، ومنها لوحته التي نفذها على خشب الزان وعبّر فيها عن رحلة لجوئه الشاقة من سوريا إلى تركيا والبلاد العربية وصولاً إلى أوروبا مختزناً فيها الكثير من الدلالات والرموز الفكرية والفنية بإحساس فني لا يخفى على كل ذي نظر.
ولد “فاضل الخضر” في منطقة الهُلك التي تبعد 4 كيلو عن قلب حلب، ولم يتمكن من إكمال تعليمه بل التحق بورشة والده لحفر الموبيليا، ولم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة، وروى الفنان الشاب لـ “اقتصاد” أنه أحب مهنة الحفر على الخشب منذ نعومة أظافره وعندما شب عن الطوق بدأ يصمم موديلات لغرف نوم وغرف جلوس وغيرها من قطع الأثاث المنزلي، وعند اندلاع الحرب اضطر للجوء مع عائلته إلى تركيا وهناك عمل في مصنع “أوليتاج” بولاية “غازي عنتاب” حيث دأب-كما يقول- على تصميم موديلات تجارية لتأمين قوت يومه، وبعد فترة يمّم شطر أوروبا في رحلة لجوء صعبة من اليونان وهنغاريا حيث تم القبض عليه وسجنه لعشرة أيام لأنه لم يبصم، وبعد الإفراج عنه وصل إلى ألمانيا في العام 2015 ليسكن في مدينة köln الواقعة في ولاية شمال الراين، وهناك حصل-كما يقول- على فرصة عمل في ورشة للنجارة ضمن برنامج الإندماج الموجه للاجئين، وتم منحه منذ أشهر محترفاً صغيراً ليمارس فيه الحفر على الخشب، وهي الحرفة التي رافقت طفولته ويفاعته.
وتابع محدثنا أنه أنجز 5 لوحات ومنها لوحة اللجوء ولوحة تجسد كاتدرائية المدينة التي يقيم فيها ولوحة تمثل طبيعة قرية ألمانية ومنحوتة لأسد مفترس يتأهب للإنقضاض على فريسته.
ملحمة اللجوء إلى ألمانيا ينحتها لاجئ سوري على الخشب
يبلغ ارتفاع لوحة اللجوء وهي من خشب الزان 100 سم وعرضها 150 سم فيما تبلغ سماكتها 8 سم، وجاءت فكرتها-بحسب النحات الشاب-مما عاشه في رحلة اللجوء التي قطعها من سوريا إلى أوروبا وما تخللها من صعاب ومخاطر، وتجسد اللوحة -كما يقول- مشاهد دمار الأبنية وفوقها الطيران يلقي القنابل والصواريخ فيما بدت النيران مشتعلة في كل مكان، وتضمنت اللوحة -بحسب الخضر- نقوشاً للبحر والبلم واللاجئين المكدسين فوق بعضهم البعض، وبعض الغرقى الذين يحاولون النجاة والطريق الذي يسلكه الأطفال والنساء مشياً على الأقدام من مقدونيا وصربيا وألبانيا وبلغاريا وصولاً إلى ألمانيا، كما تضمنت اللوحة البانورامية أيضاً صورة لبوابة برلين وعلم الإتحاد الأوروبي.
واستخدم الخضر في اللوحة التي استغرق إنجازها 170 ساعة العديد من أدوات الحفر ومنها الأزاميل والسكاكين، مضيفاً أن عمله يمر بعدة مراحل ومنها رسم اللوحة التي يريد تنفيذها على ورق مقوى “كروكي” ومن ثم تصميمها على الخشب وفي كل مرحلة قد تطرأ فكرة جديدة –كما يقول- إلى أن تكتمل في شكلها النهائي، أما اللمسات الأخيرة فتتمثل في تنعيم سطح اللوحة ومن ثم طليها بمواد عازلة ولامعة في حين يبقي القطعة بلونها الطبيعي الذي يعكس جمال الخشب المستخدم.
وكشف محدثنا أنه بصدد إنجاز لوحة بارتفاع 2 م وعرض 2 م تمثل مبنىً أثرياً عبارة عن كاتدرائية يعود تاريخها إلى 800 سنة وسيظهر فيها-كما يقول- كل التفاصيل الإنشائية والزخرفية، ومن المتوقع أن يستغرق العمل 400 ساعة عمل.
ولفت الخضر إلى وجود العديد من الصعوبات والعقبات في عمله الفني ومنها-كما يقول-صعوبة تأمين الخشب المناسب، مشيراً إلى أنه استدل على محل لبيع خشب الزان الذي يعتمد عليه في منحوتاته لأنه أقوى أنواع الأخشاب ويتحمل الحفر ولكنه يحتاج إلى قوة بدنية في النحت عليه لأنه قاس وصعب التشكيل وقلة من الحرفيين والفنانيين من يتعاملون معه.
وعبّر الفنان القادم من حلب عن طموحه بتنفيذ لوحات تجسد معاناة السوريين في المخيمات وكيف تصلهم المساعدات بصعوبة، ومشاق الحياة فيها بشكل عام، مضيفاً أن طموحه أيضاً أن يمثل اللاجئين السوريين أفضل تمثيل فهم لم يأتوا ليأكلوا ويشربوا بل هم شعب حي ومجتهد هرب من ظروف قاهرة.