هل تنجح تركيا في تجنيب إدلب مصير درعا؟
في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين السبت الماضي، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية في مقدمتها القضية السورية.
أردوغان أعرب لبوتين عن قلقه من استهداف المدنيين في محافظة درعا، وأكد له أن “تقدم قوات النظام نحو محافظة إدلب بطريقة مماثلة يعني تدمير جوهر اتفاق أستانة”.
كما شدد على أن تجنب حدوث أي تطورات سلبية في إدلب يحظى بأهمية بالغة، لجهة إقناع المعارضة السورية بالمشاركة في اجتماعات أستانة المقررة يومي 30 و31 يوليو / تموز الجاري في مدينة سوتشي الروسية.
الجانبان متفقان بحسب مصادر في الرئاسة التركية، على أن تقريب وجهات النظر بين الدول الضامنة لمسار أستانة، تركيا وروسيا وإيران، والدول الأعضاء في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، الذي تقوده أمريكا، سيسرع في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بما يضمن وحدتها وسلامة أراضيها.
[ads1]
** معارك درعا
بعد الانتهاء من معارك الغوطة وتهجير أهلها إلى الشمال السوري (مناطق إدلب وريف حلب الغربي ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون)، توجهت قوات النظام ومليشيات محسوبة على طهران نحو مدينة درعا لتبدأ عملية عسكرية فيها، رغم تحذيرات من تل أبيب ومناوشات بين الإيرانيين والإسرائيليين، نتج عنها إصابة طائرة حربية إسرائيلية وسقوطها في منطقة الجولان المحتل، مقابل ضربات مواقع إيرانية حساسة في سوريا.
قبيل بدء العملية العسكرية في درعا، أبلغ الضامن الأمريكي لاتفاق خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية، المعارضة السورية بأنه لن يتدخل عسكريا لمنع الهجوم على درعا.
الطرف الأمريكي نفسه بصفته ضامنا لاتفاق خفض التصعيد، كان قد حذر قبل أيام فصائل الجيش الحر الموجودة في درعا، من مغبة التدخل عسكريا أو حتى تقديم الدعم لإخوانهم في الغوطة.
بقية الضامنين للاتفاق، الأردن وإسرائيل (من خلف الستار)، هما الآخران لم يحركا ساكنا حيال اقتحام قوات النظام وقوات حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية المساندة لها درعا، ضاربة باتفاق خفض التصعيد عرض الحائط، بعد أن وصلت الأمور بين طهران وتل أبيب إلى شفا الحرب بحسب التصريحات الإعلامية لكلا الطرفين.
بدأت العملية العسكرية بقصف جوي روسي وحشي عنيف، شمل درعا المدينة وأريافها، هدفه إعطاء رسالة مفادها، بأن مصير درعا إن هي لم تستسلم وتذعن للشروط الروسية، سوف يكون مشابها لمصير الغوطة، قتلا وتدميرا وتشريدا.
فصائل الجيش الحر التابعة لما يسمى غرفة الـ “MUM” الأمريكية، والتي كانت قد تلقت أسلحتها من هذه الغرفة، سارعت متسلحة بالواقعية السياسية إلى عقد صفقة مع الروس، تم بموجبها تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للنظام، بذريعة تجنيب درعا مصير الغوطة.
تنبع أهمية درعا من رمزيتها أولا، حيث منها انطلقت الشرارة الأولى للثورة ضد نظام الأسد، ثم من موقعها الجغرافي، حيث تشكل بوابة سوريا على الأردن ومنه إلى الخليج، وبالتالي المعبر البري الوحيد للبضائع والسلع المتجهة من سوريا ولبنان إلى الأردن ودول الخليج.
عمليات الإجلاء والتهجير القسري نحو الشمال، إلى إدلب تحديدا، أصبحت جزءا أصيلا من المشهد، لصيقا بالمفاوضات مع الروس والنظام.
الحافلات الخضراء إحدى الأدوات الرئيسية للتغريبة السورية، بدأت اليوم بنقل المواطنين الذين رفضوا العيش تحت ظل نظام الأسد، وقد وصلت طلائعها الأولى قلعة المضيق بريف إدلب.
أهم الأدوات الأساسية في المشهد الدرامي السوري هو تنظيم القاعدة ممثلا بأحد نسخه، “داعش” أو “النصرة”، أو غيرهما، إذ لا بد من إضافته مظلة وذريعة وغطاء لكل ما يرتكب من جرائم وآثام بحق الشعب، لتكتب تحت العنوان العريض “الحرب على الإرهاب”، الذي يستخدم لتبرير كل جريمة، ويبيح كل محرم.
على مسرح درعا، يظهر لنا تنظيم القاعدة العتيد بصورة فصيل مبايع اسمه “جيش خالد بن الوليد”، وبذلك لا تسأل عن التغيير الديموغرافي، ولا السرقات والتعفيش، ولا سفك الدماء البريئة وموت الأطفال جوعا في العراء على الحدود.
وجود مائتي مقاتل من تنظيم القاعدة كان مبررا لتدمير مدينة حلب على رؤوس أهليها، أفلا يكفي وجود فصيل كامل مبايع للقاعدة لهدم درعا؟
أما نداءات المعارضة ممثلة بالائتلاف الوطني السوري للولايات المتحدة الأمريكية الضامن لدرعا وأهلها، فلم تجد لها صدى حتى في وسائل الإعلام بله أروقة السياسة.
قبل الإجابة عن سؤال “هل جاء الدور على إدلب؟”، لا بد من إلقاء نظرة على الدور الإيراني في سوريا.
** الاستراتيجية الايرانية في سوريا
منذ أن تم خذلان الجيش السوري الحر الذي كان يسيطر على ما يقارب ثلاثة أرباع جغرافيا البلاد، وبعد ميلان الكفة العسكرية لمصلحة النظام والمليشيات الشيعية الإيرانية، اتبعت طهران استراتيجية من أربعة محاور، تحاكي إلى حد كبير ما فعلته في بغداد التي طهرتها من المكون السني تماما.
المحور الأول: تهجير السكان الأصليين، وتوطين سكان جدد آخرين مكانهم، وفقا لمخطط تغيير ديموغرافي يقوم على أساس مذهبي.
المحور الثاني: تجميع المهجرين في منطقة واحدة هي إدلب وريف حلب الغربي.
المحور الثالث: شيطنة إدلب وما حولها، وتصويرها بؤرة للإرهاب بذريعة وجود تنظيم النصرة تحت مسمى “جبهة تحرير الشام”، بإمرة “الجولاني” المبايع لتنظيم القاعدة، الذي تربي في أحضان إيران ورعته مخابراتها.
المحور الرابع: القيام بعمل عسكري واسع النطاق بالتعاون مع الروس بحجة الحرب على الإرهاب، وتحت ذريعة إنهاء المعارضة المسلحة، الأمر الذي يروق الروس ويتفق مع توجهاتهم.
طبعا لن يلتفت أحد للمذبحة الكبرى ولا للضريبة الإنسانية التي ستخلفها هذه الحرب، سوى تركيا التي سعت منذ البداية لإفشال هذا المخطط الفظيع، والحيلولة دون حدوثه.
** جهود تركية لتجنيب إدلب مصير درعا والغوطة
قبل سنوات توجه الطرف التركي إلى الأمريكان، وعرض عليهم تطهير إدلب من العناصر الإرهابية من خلال خطة متكاملة، تقضي بتفكيك تنظيم النصرة بشقيه الأجنبي والمحلي، بحيث يتم إخراج المقاتلين الأجانب بطريقة أو بأخرى، وإلحاق العناصر المحلية من المقاتلين السوريين في فصائل الجيش الحر، إذ إن أغلبهم التحق بالتنظيم الإرهابي لأسباب مالية، لكن الأمريكان ذهبوا لجهة التهرب والتسويف كعادتهم.
التقارب الروسي التركي، والتحاق أنقرة بمسار أستانة، أفسح الطرق أمامها للتدخل من خلال نقاط المراقبة المكلفة برصد عملية خفض التصعيد، هذا من الجانب العسكري.
أما سياسيا، فقد تحولت تركيا إلى ضامن للمعارضة السورية، وخصوصا بعد انسحاب الطرف الأمريكي من المشهد بشكل شبه تام، وتغييب دور الأمم المتحدة في القضية، وانتقال العملية من جنيف إلى أستانة.
** العلاقات التركية الروسية على المحك
الاتصال الهاتفي بين الرئيسين التركي والروسي، المشار إليه، جاء في توقيت حساس للغاية بالنسبة إلى الأزمة، خصوصا بعد مجريات الأحداث في درعا.
فقد بدأ السؤال حول مجيء الدور على إدلب، قلعة المعارضة الأخيرة، يفرض نفسه بقوة.
تحذير أردوغان لبوتين من مغبة هجوم النظام على إدلب، وإن بدا خطوة استباقية، إلا أنه يستند إلى معلومات استخباراتية لدى تركيا.
صحيح أن أجندة المباحثات بين الطرفين شملت ملفات عديدة، منها مجال الطاقة، مشروع السيل التركي، ومحطة آق قويو النووية، لكن موضوع إدلب شكل الموضوع الأساسي في تلك المباحثات.
موضوع إدلب سوف يكون الملف المحوري في اجتماع الرئيسين المقرر على هامش قمة دول مجموعة “بريكس”، التي ستعقد نهاية يوليو / تموز الجاري في مدينة “جوهانسبرغ” بجنوب إفريقيا.
إدلب سوف تشكل أول امتحان جدي للعلاقات التركية الروسية، وبوتين أمام خيار صعب، إما أن يستجيب للرئيس أردوغان فيمنع النظام والإيرانيين من مهاجمة إدلب، وهذا لا يوافق توجهاته بالحسم العسكري، وتصفية المعارضة السورية عسكريا، أو يذهب إلى نهاية المطاف مع طهران، بإعادة إنتاج نظام الأسد وفرضه بالقوة، بعد أن فشل في مقايضته مع الأمريكان.
معلوم لدى الجميع أن لا قدرة للنظام ولا المليشيات الشيعية المساندة له على شن عملية عسكرية في إدلب دون غطاء جوي روسي، ومعلوم أيضا أن لدى تركيا العديد من وسائل الضغط على موسكو، ليس أولها القدرة على تقويض مسار أستانة بانسحابها منه، وليس آخرها تغيير قواعد الاشتباك، حال لم يلتزم الروس بتعهداتهم.
يبقى السؤال الأصعب، إلى أي مدى تستطيع تركيا، بحكومتها الجديدة، التضحية بعلاقاتها مع روسيا، إن هي أصرت على شن هجوم عسكري محتمل ضد إدلب؟
المصدر: وكالة الأناضول