قالت صحيفة واشنطن بوست أن الأسد يعيش أخطر مرحلة منذ اندلاع “الأزمة” في سوريا تهدد بقاءه في السلطة، وهي الانشقاق داخل عائلته، وانهيار الاقتصاد وتزايد التوترات مع حليفه الرئيسي روسيا، وفقاً للصحيفة.
وبحسب ما نشرته الصحيفة أن الأسد نجح في استعادة السيطرة على أغلب أجزاء سوريا من يد المعارضة، ولم يتبق سوى عدة مدن في شرق البلاد، ولم يعد هناك من ينافس الأسد وعائلته على السلطة، لكن الخلافات بدأت تظهر داخل البيت الواحد.
وقد يدفع الاقتصاد المتدهور السوريين إلى الفقر على نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث، لأن الوضع في روسيا وإيران لا يسمح لهما بضخ مليارات الدولارات التي تحتاجها سوريا لإعادة البناء، كما يواصل الأسد رفض الإصلاحات السياسية التي قد تفتح الأبواب أمام التمويل الغربي والخليجي.
وترى الصحيفة الأميركية أن هناك بوادر تمرد جديد يلوح في الأفق داخل المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها، خاصة في محافظة درعا الجنوبية.
وقالت لينا الخطيب من مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إن الأسد قد يكون أكثر عرضة للخطر الآن من أي وقت في السنوات التسع الماضية من الحرب، وأضافت: “لقد أصبح الأسد يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني والروسي. ليس لديه الموارد المحلية، وليس لديه شرعية دولية، وليس لديه القوة العسكرية التي كان يملكها قبل النزاع”، مؤكدة أن صندوق أدواته أصبح فارغا.
الخلاف داخل العائلة
وفقاً للصحيفة، يعتبر الخلاف العلني بين الأسد وابن عمه الأول رامي مخلوف هو مجرد عرض من أعراض المشاكل العميقة، فقد لجأ مخلوف إلى فيسبوك للشكوى من محاولات الدولة مصادرة أصوله، بعد ما أصبح غير قادر على التواصل مع الرئيس مباشرة.
وفي سلسلة من التصريحات التي تنطوي على تهديدات متزايدة، أوضح مخلوف أنه لن يعطي دمشق طواعية أكثر من 600 مليون دولار، تقول الحكومة إنه مدين بالمبلغ لمصلحة الضرائب.
وألمح مخلوف إلى قدرته على إحداث دمار في الاقتصاد السوري من خلال سيطرته على شبكة من الشركات التي توظف الآلاف من السوريين وتضم شبكة “سيرياتل” القوية للهواتف المحمولة، أكبر شركة في البلاد.
وذكر في أحدث مقطع فيديو نُشر الأسبوع الماضي: “لم أستسلم أثناء الحرب، هل تعتقد أنني سأستسلم في ظل هذه الظروف؟ يبدو أنك لا تعرفني”.
مخلوف ليس وحده في هذا المأزق فالحكومة تعمل على إجبار رجال الأعمال السوريين الذين استفادوا من الحرب على دعم اقتصاد الدولة المتعثر.
كما أن الأسد يحاول استعادة بعض النفوذ الذي أصبح مشتتًا بين رجال الأعمال الذين يشبهون أمراء الحرب، والعديد منهم، بما في ذلك مخلوف، يديرون الميليشيات إلى جانب مؤسساتهم التجارية، على حد قول لينا الخطيب.
من جانبه، صرح أيمن عبد النور، الصديق السابق والمقرب من الأسد الذي انشق عام 2008: “الأمر مختلف عن الضغط على رجال الأعمال الآخرين، هذا داخل الدائرة الداخلية”.
وأوضح أن مخلوف لا يشكل أي تهديد لرئاسة الأسد، لكن أسرة المخلوف في حد ذاتها جزء مهم من الطائفة العلوية الحاكمة في سوريا، فقد قدمت شركات مخلوف والجمعيات الخيرية والميليشيات سبل العيش لعشرات الآلاف من السوريين، مما منحه قاعدة دعم داخل المجتمع العلوي المستاء بشكل متزايد.
وأضاف عبد النور: “لقد أصبح مخلوف كبيرًا، وهذا غير مسموح به في سوريا، ممنوع أن يكبر ويصبح مهما”.
بينما قال داني مكي، صحفي سوري ومحلل سياسي، إنه تحدى الرئيس علانية، وهو أمر لا يتم التسامح به عادة في سوريا، مضيفاً: “ما نراه الآن ليس مجرد معارضة بل معارضة مفتوحة للرئيس ولمؤسسة الرئاسة من قبل رجل أعمال، السؤال الأكبر هو ما الذي يحدث للاقتصاد على المدى الطويل، إنه حقا سباق مع الزمن بالنسبة للأسد لإيجاد مخرج من هذا، فلا يقتصر الأمر على بقاء النظام، بل على البلد بأكمله”.
تدهور الاقتصاد
وأشار مكي إلى أن ما يقلق السوريين هو أن ثورتهم تركزت في يد دائرة صغيرة من الناس في وقت أصبحت النسبة الأكبر من السكان تحت خط الفقر”.
فقد فقدت العملة السورية أكثر من نصف قيمتها في الشهر الماضي، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والسكر في الشهر الماضي، مما يعرض سوريا لخطر الوقوع في المجاعة، بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي يوم الأربعاء.
ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، تعتبر المشكلة الأكبر للأسد هي الاقتصاد الذي دمرته الحرب، والعقوبات الأميركية والأوروبية، التي تهدف للضغط عليه، وتمنع أي نوع من الاستثمار أو تمويل إعادة الإعمار .
كما أنه اعتبارًا من يونيو القادم ستدخل العقوبات الأميركية الجديدة الصارمة حيز التنفيذ بموجب قانون يُعرف باسم قانون قيصر يستهدف أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم للنظام السوري.
وقد أعقبت فيديوهات مخلوف المتحدية للنظام، منشورات جريئة للمؤيدين على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن مظالمهم، كان أكثرها تأثيراً من جندي سابق يدعى بشير هارون، أُصيب أثناء قتال المعارضة ويضع صورته مع الأسد وزوجته كغلاف لصفحته على فيسبوك، عندما انتقد الحكومة بعد قطع تمويل العلاج الطبيعي للمصابين .
وكتب: “تعاملنا مثل فرسان السباق، الذين قتلوا بالرصاص عندما أصيبوا، في كل يوم تقوم بإصدار قرار يكسرنا ويذلنا ويقتلنا”.
بدوره، كتب نور الدين منى، وزير الزراعة السابق، على صفحته على فيسبوك: “إن النظرة المستقبلية في سوريا قاتمة ومخيفة، في الأفق تلوح الأحداث التي يصعب التنبؤ بها أو تفسيرها. الشعب السوري مليء بالقلق والخوف والجوع والفقر”.
توتر العلاقات مع روسيا
إضافة إلى كل هذه الضغوط، تشهد علاقة الأسد مع موسكو توترات متزايدة، في خلال الأيام الماضية، انتقدت العديد من المقالات الأخيرة في وسائل الإعلام الروسية نظامه بسبب تعنته وفساده، مما أثار تكهنات بأن دعم روسيا لرئاسته قد يتضاءل.
وجاء النقد الأكبر من السفير الروسي السابق في سوريا، ألكسندر أكسينيونوك، الذي أكد أن رفض الأسد تقديم تنازلات سياسية يتعارض مع مصالح روسيا، وقد تم نشر هذا الرأي في عدد من المواقع والصحف الروسية المؤثرة.
وأوضح السفير السابق: “إذا حكمنا من خلال كل شيء نراه، فإن دمشق ليست مهتمة بشكل خاص بإظهار نهج بعيد النظر ومرن، النظام متردد أو غير قادر على تطوير نظام حكومي يمكن أن يخفف من الفساد والجريمة”.
وحذر أكسينيونوك من أن روسيا وصلت إلى حدود التسوية في عملية السلام التي ترعاها روسيا والتي تأمل موسكو أن تؤدي إلى إصلاحات سياسية.
ويقول المحللون الروس إنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن التعليقات تدل على أي تغيرات رئيسية في السياسة في موسكو.
أما فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية ومقره موسكو، فيقول إنه من خلال تدخلها المباشر في الصراع في عام 2015، حققت روسيا أهدافًا حيوية في السياسة الخارجية، ولن تتخلى عن هذه المكاسب.
عودة المعارضة
وقال لوكيانوف: “بالطبع الأسد يعتمد على الدعم الروسي، لكن روسيا تعتمد عليه سياسيا أيضا، روسيا لا تستطيع أن تتخلى عنه دون أن تتعرض لضرر سياسي كبير”.
لكن نيكولاي سوركوف، الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، يعتقد أن موسكو تشعر بالإحباط من رفض النظام الموافقة على الإصلاحات السياسية، ويرى أن مثل هذه الإصلاحات، التي من شأنها أن تضعف سلطة الأسد المطلقة، تعتبر شرطا أساسيا للمصالحة الحقيقية والدائمة.
وقال: “حتى لو فازت الحكومة عسكريا، سيكون هناك خطر كبير من استئناف التمرد طالما لم يتم تلبية المظالم الرئيسية للسكان”.
وتقدم الاضطرابات في محافظة درعا الجنوبية، وهي أول محافظة سورية ثارت ضد الحكومة عام 2011، دليلاً على هذا الخطر، فقد تم إرسال القوات الحكومية إلى المحافظة لقمع دوامة من عمليات الخطف والاغتيالات والكمائن التي أودت بحياة العشرات من القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة.
وأفاد عبدو جباسيني، الباحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، أن من يقف وراء العنف ليس واضحا، ولكن يبدو أن تمردا جديدا في طور التكوين.
وأكد المحلل السياسي داني مكي أن كل هذا يعطي شعوراً بأن الأسد لا يسيطر على الدولة، وقال “هذه أكثر خطورة وتحديا من أي فترة في الحرب بأكملها، ما لم يتمكن من إيجاد حلول، فلن يحكم أبداً سوريا المستقرة”.