واشنطن قدَّمت معلومة استخباراتية مهمة للجيش التركي حول منبج انتظرها كثيراً!
قال دبلوماسي تركي، في تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّه في الوقت الذي كان يهدد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تركيا بمزيدٍ من العقوبات الأسبوع الماضي، شارك الجيش الأميركي معلومات استخباراتية مع أنقرة ساعدتها على استهداف قيادي عسكري كردي بارز بحثت عنه كثيراً.
وتأتي هذه الضربة دليلاً على استمرار التعاون العسكري الوثيق بين الحليفين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والذي يمتد من العراق وحتى سوريا، برغم الصراع الذي انعكس في فرض التعريفات الجمركية، والتغريدات التي تهدد الاقتصاد التركي.
وقُتِل إسماعيل أوزدان الأربعاء 15 أغسطس/آب 2018، بعد عمليتي قصف للقوات الجوية التركية ضد «وحدات مقاومة سنجار»، وهي إحدى أذرع حزب العمال الكردستاني، الذي تُصنِّفه الولايات المتحدة وتركيا على أنَّه جماعة إرهابية.
وبعدما شارك الأميركيون المعلومات مع تركيا، أسقطت الأخيرة القنابل على سيارة أوزدان في منطقة شمال سنجار العراقية، قرب الحدود مع سوريا.
من جانبها، لم تنفِ وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) رواية الدبلوماسي التركي.
ومساء الإثنين 20 أغسطس/آب 2018، صرَّح إيريك باهون، وهو متحدث باسم البنتاغون، للموقع، قائلاً: «ندعم جهود تركيا لمكافحة حزب العمال الكردستاني بعدة طرق. وندرك التهديد الحقيقي الذي يمثله الحزب على أمن تركيا».
وقال 4 دبلوماسيين للموقع إنَّ التعاون العسكري بين البلدين، من منبج السورية مروراً بسنجار العراقية، وحتى معبر حدودي جديد بين العراق وتركيا قيد الإنشاء، لا يزال مستمراً برغم السجال العلني بينهما حول القس الأميركي المحتجز أندرو برانسون.
وقال أحد الدبلوماسيين: «البنتاغون هو الجهة التي تهتم عادة بمخاوف تركيا، وسنحافظ على تعاوننا ميدانياً معهم».
وشدَّد البنتاغون، يوم الإثنين 20 أغسطس/آب 2018، على أنَّه برغم التوترات بين واشنطن وأنقرة، فإنَّ العلاقات العسكرية بينهما لا تزال قوية.
وقال الكولونيل روب مانينغ للصحفيين: «لم تشهد علاقتنا مع تركيا أي انقطاع».
ووفقاً لمصادر تركية وأميركية، فإنَّ أحد المشروعات التي ستمضي قدماً مشروع تسيير دوريات مشتركة في مدينة منبج شمال سوريا، والواقعة على بُعد 25 كم جنوب الحدود السورية-التركية.
وكانت منبج أحد أسباب التوتر بين البلدين منذ 2016، حين سيطرت قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، على المدينة بدعمٍ من الجيش الأميركي.
وتَعتَبِر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية وامتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن منذ 3 عقود تمرداً على الأرض التركية. في حين تعتبرها واشنطن حليفاً رئيسياً في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
وخلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن مطلع يونيو/حزيران 2018، توصلت الدولتين إلى اتفاقٍ نص على انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من منبج، وأن تُسيِّر كلٌ من القوات التركية والأميركية دوريات متزامنة، ثُمَّ دوريات مشتركة لاحقاً؛ للحفاظ على أمن المدينة واستقرارها.
والخميس 16 أغسطس/آب 2018، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس: «وصلت المعدات، ووصل الضباط. وسيبدأ الأمر قريباً».
وقال ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة لشؤون الشرق الأوسط والمرشح المحتمل لمنصب السفير الأميركي في أنقرة، الجمعة 17 أغسطس/آب 2018، إنَّ الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة لم يؤثر على اتفاق منبج.
وأضاف: «الإجراءات المتعلقة بخريطة طريق منبج من جانب كل الأطراف المعنيَّة، كانت سلسة ومشجعة للغاية. لم نلحظ أية عواقب أو تأثيرات للقضايا الثنائية الأخرى الدائرة».
وأيَّد أحد الدبلوماسيين الأتراك الذين تحدث معهم موقع Middle East Eye، تصريحات ساترفيلد، قائلاً: «قد يكون تطور الاتفاق بطيئاً، لكن حتى لو استغرق وقتاً أطول من المتوقع، فإنَّ الدوريات المشتركة ستبدأ قريباً».
وأوضح الدبلوماسي، الذي يعمل بشكل وثيق مع نظرائه الأميركان لحل الخلاف التركي-الأميركي، أنَّه خلال زيارة وفد تركي لواشنطن مطلع الشهر الجاري (أغسطس/آب 2018)، استشهد الوفد بمنبج باعتبارها نموذجاً للتعاون في محاولة لحل الأزمة الدبلوماسية حول برانسون.
وقال: «حتى لو كان اتفاق منبج يسير ببطء، فإنَّ منبج نموذج على الكيفية التي يمكننا بها إنجاح اتفاقٍ معاً. ولهذا السبب طرحناها حين كنا في واشنطن وسألناهم لمَ لا يقبلون باتفاقٍ آخر للتعاون حول مسألة برانسون».
وانتهت زيارة الوفد التركي إلى واشنطن دون الوصول لحل؛ إذ رفضت الولايات المتحدة عرضين تركيَّين مقابل إطلاق سراح برانسون. وبصرف النظر عن هذا، يُتوقَع أن تبدأ الدوريات المشتركة في منبج قريباً.
منبج ليست المنطقة الوحيدة التي يتعاون فيها الجيش التركي والبنتاغون؛ إذ يتعاونان أيضاً في جبال قنديل وسنجار شمال العراق.
وعقب المساعدة التي قدمتها أميركا الأسبوع الماضي في عملية سنجار، تتوقع تركيا الآن أن تمدها واشنطن بالمزيد من المعلومات الاستخباراتية عن جبال قنديل شمال شرقي العراق، حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني منذ التسعينيات.
وخلال اجتماع عقده ماتيس مع نظيره التركي نور الدين جانيكلي في فبراير/شباط 2018، ببروكسل، على هامش اجتماع وزراء دفاع الناتو، تعهَّدت الولايات المتحدة بتزويد تركيا بالمعلومات الاستخباراتية؛ لدعمها في معركتها ضد حزب العمال الكردستاني في العراق.
لكنَّ الدبلوماسيين الأربعة الذين تحدث معهم موقع Middle east Eye أكدوا أنَّ تركيا تدرك حدود تعاون البنتاغون.
ففي منبج، لم تنسحب وحدات حماية الشعب الكردية بعد، رغم اتفاق يونيو/حزيران 2018، ولا تزال الميليشيا تسيطر على نحو ربع الأراضي السورية بدعمٍ من الولايات المتحدة.
وفي سنجار، سيكون الدعم الأميركي لتركيا في قتالها ضد وحدات مقاومة سنجار محدوداً؛ لأنَّ واشنطن نفسها تستخدم المنطقة لنقل الأسلحة والذخيرة وغيرها من معدات إلى وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
وقال الدبلوماسيون إنَّ البنتاغون تعاون مع تركيا في ملاحقتها بعض كبار قادة حزب العمال الكردستاني، لكنَّه تحفَّظ عن فعل المزيد.
وتحظى الولايات المتحدة بتأثير قوي على وحدات مقاومة سنجار، وإذا طهَّرت العمليات التركية المنطقة من هذه الجماعة، فلن يصبح للأميركيين جماعات مسلحة تحمي قوافلهم التي تنقل معدات إلى سوريا.
وتعمل أيضاً ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران حول منطقة سنجار، وتُفضِّل الولايات المتحدة أن تستمر سيطرة وحدات مقاومة سنجار على المنطقة بدلاً من أية جماعة أخرى تدعمها إيران.
وكشف أحد الدبلوماسيين، الخبير بالشأن العراقي، للصحافيين، الأسبوع الماضي، أنَّ تركيا تعمل على خطة أكبر لتطهير سنجار من وحدات مقاومة سنجار.
وقال: «نعلم أنَّ غالبية وحدات مقاومة سنجار من الأيزيديين، وعقب رحيل داعش عن المنطقة يفكر هؤلاء الأيزيديون في أنَّهم بحاجة ماسّة لجماعة وحدات مقاومة سنجار هذه لحمايتهم. نحن نحاول التفريق بين الأيزيديين ووحدات مقاومة سنجار، وسنجتهد لإنهاء حاجة الأيزيديين لهذه الجماعة».
[ads1]
يعود السبب الحقيقي وراء جهود تركيا لتطهير المنطقة من وحدات مقاومة سنجار إلى وجود خطة لإنشاء معبر حدودي جديد في أوفاكوي، وهي قرية على الحدود بين العراق وسوريا وتركيا.
وتسيطر حكومة إقليم كردستان على المعبر الوحيد الحالي الواقع في الخابور إلى الشرق من أوفاكوي، ولا توجد أية معابر بين تركيا والعراق تسيطر عليها حكومة بغداد.
لكن المعبر الجديد سيربط تركيا والعراق مباشرةً، وسيشمل طريقاً سريعاً يمتد من بغداد إلى الحدود مروراً بإقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي.
وتناقش تركيا والعراق حالياً افتتاح المعبر. وقال أحد الدبلوماسيين إنَّ أنقرة مستعدة لتولي مسؤولية أعمال الإنشاء بالجانب العراقي، وضمنها إنشاء أجزاء من الطريق السريع وإصلاح الأجزاء الموجودة التي دمرها «داعش».
وأضاف الدبلوماسي: «هناك الكثير من الجماعات المسلحة إلى الجنوب من بوابتنا الحدودية التي نخطط لإنشائها. وهذا يخلق بيئة من الفوضى، وهذا هو المكان المثالي لينعم الإرهابيون فيه بِحرية الحركة».
وتابع: «تستخدم الولايات المتحدة هذه الحرية لعبور الحدود ومساعدة وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، لكنَّنا بحاجة إلى التخلص من الجماعات الإرهابية؛ لتأمين الطريق من بغداد وحتى البوابة الحدودية الجديدة».
ولم تبدأ تركيا بعدُ في عقد مباحثات مع الولايات المتحدة حول المعبر الجديد، لكنَّ الحكومة تدرك أنَّ واشنطن لا تعارض المشروع من حيث المبدأ؛ لأنَّه -على الأرجح- سيعزز التجارة بين تركيا والعراق؛ ومن ثم يقلل اعتماد العراق على إيران.
ولدى العراق حالياً 10 معابر حدودية مع إيران، وتجري من خلالها أغلب المعاملات التجارية الأجنبية البرية مع هذه الجارة الشرقية.
وقال أحد الدبلوماسيين إنَّ تركيا تدرك أنَّ إيران ليست سعيدة بهذا المشروع الجديد؛ لأنَّها تخشى خسارة نفوذها في العراق.
وأضاف: «العراق وإيران يربطهما أكثر من 10 معابر حدودية، لكن ليس لدينا سوى واحد فقط، وهو غير خاضع حتى لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد».
وتابع: «نرغب في زيادة حجم تجارتنا مع العراق. وذلك سيؤدي أيضاً إلى نقل النفط من كركوك إلى ميناء جيهان بتركيا. وفي حال نجحنا، لن يعتمد العراق على إيران لتصدير نفطه؛ ولهذا السبب تدعم الولايات المتحدة المشروع».
ومع ذلك، لن تكون الوعود الأميركية بدعم المعبر كافية لتركيا؛ إذ لفت الدبلوماسي التركي إلى أنَّ أنقرة ستتطلع إلى وقف الولايات المتحدة دعمها لوحدات مقاومة سنجار.