وكأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.. هكذا حال الشاب التونسي أيمن برهومي، الذي ذهب إلى فرنسا أملا في حياة أفضل، قبل أن يتعرض لاعتداء وحشي من قبل الشرطة هناك، أدى إلى فقدانه جزءا من ذكوريته، وربما القضاء على فرصه في الإنجاب مستقبلا.
كان ذلك في 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عندما تحول مركز الاعتقال الإداري في مدينة نيس، جنوبي فرنسا، إلى “مسرح لأعمال عنف وحشية وغير مسبوقة”، بحسب ما أفادت صحيفة “ميديابارت” الفرنسية.
فداخل إحدى قاعات مركز الاعتقال، حيث يتم إيواء الأجانب غير النظاميين لترحيلهم، انهال عناصر من الشرطة على برهومي (35 عاما) بالضرب الوحشي، ليتم نقله بشكل عاجل إلى مستشفى باستور في نيس، حيث أجريت له عملية جراحية استدعت استئصال إحدى خصيتيه.
وأكد المستشفى، في تقرير طبي، أن استئصال خصية برهومي، ناتج عن “تعرضه للضرب المبرح”، وفق الصحيفة الفرنسية.
** بداية المأساة
بدأ كل شيء مع برهومي بمجرد فحص هوية اعتيادي، لينتهي بمأساة بالنسبة إلى الشاب التونسي المتثبث بالحياة.
ففي مساء 12 ديسمبر، وفي محيط أحد ميادين نيس الشهيرة، كان برهومي موجودا دون جواز سفر أو بطاقة إقامة تقنن تواجده بشكل غير قانوني على الأراضي الفرنسية.
ورغم معرفة الشرطة بملف برهومي حيث سبق لهم توقيفه، إلا أنها اقتادته في شاحنة إلى مركز الشرطة، ومن هناك تم نقله في اليوم التالي إلى مركز الاعتقال الإداري في نيس.
وقال برهومي، كاشفا تفاصيل عن مأساته: “عندما وصلت (إلى مركز الاعتقال)، بدأ شرطيان في التقاط صور لي وتسجيل بياناتي، وحينها قالا لي: ها قد عدت إلينا”.
ويعرف برهومي الشرطيين من واقعة سابقة عام 2018، عندما أوقفاه في نيس، وأجبراه على العودة إلى بلده على متن قارب، بعد إعطائه جرعة مهدئات، بحسب وصف صحيفة “ميديابارت”.
وأضاف: “عندما طلبا الحصول مجددا على بصماتي رفضت، فهي لديهم بالفعل”.
وكان رفض برهومي بداية لاعتداء وحشي متواصل من عنصري الشرطة.
وتابع الشاب التونسي: “أمسكني أحدهما من حنجرتي بيد واحدة، بينما مد زميله يده ليعلقني على الحائط، وصرخ بعبارة مهينة لأمي. وحينها رددت عليه بالمسبة ذاتها”.
وأردف: “سال لعابي بسبب ضيق في حنجرتي، وحينها ظنا أنني كنت أبصق عليهما؛ فقيدا يديّ خلف ظهري بعد أن أسقطوني أرضا”.
واستمر برهومي في سرد معاناته بالقول: “أحدهما حطم رأسي بقدمه على الأرض، وآخر وضع ركبته على ذراعي”.
كما أشار الشاب التونسي إلى تعرضه للركل في مناطق حساسة في جسده، بينها الأعضاء التناسلية.
وبعد توجيه ضرب مبرح له، تم نقل برهومي مقيدا إلى مبنى آخر في مركز الاعتقال الإداري ذاته في إطار إجراءات توقيفه بتهم بينها “ممارسة العنف ضد أشخاص يشغلون سلطة عامة”، و”التهديد بالقتل والاحتقار والسب”.
** اتهامات مزيفة
وبينما لم ترد الشرطة الفرنسية على استفسارات صحيفة “ميديابارت”، إلا أن الوقائع المذكورة في محضر جلسة الاستماع لبرهومي، التي أجرتها المفتشية العامة للشرطة في 18 ديسمبر، زعمت أن برهومي “رفض ارتداء قناع الرأي، وقام بإهانة الشرطة، وهددهم بأن يقوم أخوه بذبحهم، إضافة إلى البصق على رجال الشرطة صارخا بعبارة فيروس كورونا”.
وجاء في التقرير أن رجال الشرطة اضطروا إلى التعامل بعنف مع برهومي ردا على محاولته ضرب أحدهم بالرأس.
وينفي برهومي رواية الشرطة، غير أن الشيء المؤكد أن الطبيب الذي فحصه، طالب بنقله إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى على خلفية معاناته آلاما في الأعضاء التناسلية تستلزم خضوعه لجراحة استئصال الخصية؛ ما قد يقضي على قدرته على الإنجاب ويقوض رجولته جزئيا.
وقال برهومي في أعقاب تعرضه لعنف الشرطة: “أشعر بالتعب الجسدي وباضطراب ذهني”.
وقدم الشاب التونسي شكوى رسمية ضد الشرطة بمساعدة جمعية “منتدى اللاجئين” (غير حكومية)، التي تساعد المحتجزين الذين ينتظرون الترحيل في مركز الاعتقال الإداري.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، كسب برهومي الجولة الأولى في قضيته ضد شرطة نيس، بصدور قرار بإخلاء سبيله؛ إذ أنه طليق الآن.
إلا أن الشاب التونسي لا يزال مهددا بقرار ترحيل صدر بحقه من إحدى المحاكم مع حظر العودة إلى فرنسا خلال العامين المقبلين، رغم تقديم محاميه طلب استئناف على القرار.