منوعات

ما لن تستطيع روسيا البوح به حول إسقاط طائرتها بسوريا

ما لن تستطيع روسيا البوح به حول إسقاط طائرتها بسوريا

ما زال الغموض يحدق بحادثة إسقاط الطائرة الروسية بسوريا، رغم كثرة التصريحات والاتهامات من قبل موسكو، والردود الإسرائيلية عليها.

ومن الواضح جليًا وجود حيثيات أخرى غير معلنة تمنع موسكو من التصريح بالحقائق الصادمة، بشأن إسقاط طائرتها قبالة الساحل السوري.

وزارة الدفاع الروسية حمّلت إسرائيل المسؤولية الكاملة لإسقاط الطائرة “إيل-20″، معتبرة أن تصرفات الطيارين الإسرائيليين تدل على عدم مهنيتهم أو على إهمال إجرامي.

وهنا، ينبغي وضع خطين عريضين تحت عبارة “إهمال إجرامي”، إذ لا يعقل عدم المهنية لدى طياري “إف 16” المتمرّسين في فنون القتال الجوي، والذين ينفذون أوامر القيادة العسكرية التي تنفذ بدورها تعليمات القيادة السياسية.

وزارة الدفاع الروسية اتهمت تل أبيب بانتهاك الاتفاقيات الروسية الإسرائيلية الموقّعة عام 2015، للحيلولة دون وقوع حوادث تصادم بين قوات الجانبين في سوريا.

الرواية الروسية، بحسب الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف، تقول إن ممثّلة برتبة عقيد عن قيادة القوات الجوية الإسرائيلية، أبلغت قيادة مجموعة القوات الروسية بسوريا، بالضربة القادمة على مواقع سورية، عبر قناة الاتصال لمنع التصادم العسكري.

وأشار البلاغ إلى أن إسرائيل ستشن، في الدقائق القليلة القادمة، غارات على مواقع متواجدة شمالي سوريا.

لكن بعد مرور دقيقة واحدة فقط، شنّت أربع مقاتلات إسرائيلية من طراز “إف 16” غارات جوية على منشآت صناعية في محافظة اللاذقية السورية، بقنابل موجّهة من طراز “جي بي يو-39”.

وبهذه الطريقة، يتبيّن أن الطرف الإسرائيلي قام بإخبار مجموعة القوات الروسية بتنفيذ عمليته العسكرية، ليس بشكل مسبق، بل متزامنًا مع بدء الغارات.

[ads1]

ووفق الرواية الروسية، فإن قائد طاقم الطائرة الروسية “إيل–20” التي كانت تحلّق فوق الشمال السوري، تلقى تعليمات تنصّ على مغادرة منطقة تنفيذ المهمّة فورا، والتوجّه جنوبا للعودة إلى القاعدة، لكنه لم يجد الوقت الكافي لذلك.

الاعتراض الروسي الآخر الغريب من نوعه، يكمن في أن “القوات الجوية الإسرائيلية لم تشن غاراتها في المناطق الشمالية لسوريا، بل في ريف اللاذقية التي تُعدّ محافظة سورية غربية، تقع في منطقة الساحل الغربي السوري.

كوناشينكوف حمّل، بعد عرض مفصل لكافة ملابسات الحادث، إسرائيل المسؤولية كاملة بقوله: “لذلك نعتبر أن الذنب في كارثة الطائرة الروسية ‘إيل–20’ يقع تحديدا، وبشكل كامل، على القوات الجوية الإسرائيلية، وعلى هؤلاء الذين اتخذوا قرارا بتنفيذ مثل هذا العمل”.

** المسكوت عنه بتصريحات موسكو

في الثامن من أيلول/ سبتمبر 2015، قال مسؤولون أمريكيون إن 4 صواريخ روسية عابرة للقارات من طراز “كروز كاليبر”، كانت في طريقها الى سوريا، سقطت داخل الأراضي الإيرانية.

ونفت موسكو، على لسان المتحدث باسم وزارة دفاعها، أن تكون الصواريخ الروسية سقطت في الأراضي الإيرانية، مؤكدًا أنها أصابت أهدافها في سوريا.

لكن في اليوم التالي، ذكرت وكالة أنباء “إيرنا” الإيرانية الرسمية، استناداً إلى شهود عيان، أن “جسمًا طائرًا” سقط في محافظة أذربيجان، شمال غربي البلاد، وانفجر وتناثرت شظاياه في المكان.

كما أكد إيرج ثقفي، قائم مقام مدينة تكاب بالمحافظة نفسها، سقوط الجسم الطائر في قرية قزقابان، على بعد 35 كيلومترا عن المدينة، قائلا: إن “الجسم الطائر انفجر بعد سقوطه، ما أدى إلى كسر زجاج نوافذ البيوت القريبة من مكان السقوط”.

يومها، علق وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، على حادثة سقوط صواريخ روسية فوق إيران كانت في طريقها إلى سوريا، بالقول: “لدينا بعض المؤشرات بأن هذا ما حدث، وإن كان بالفعل، فإنه يظهر أن خللاً ما أصاب هذه الصواريخ، ولا أستطيع التصريح بأكثر من المعلومات المتوفرة لدينا حاليا”.

وفي اليوم نفسه أيضًا، كشف مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أن ما لا يقل عن أربعة صواريخ من بين 24 صاروخا من طراز “كروز كاليبر”، أطلقت من على متن سفن حربية روسية في بحر قزوين، سقطت في إيران.

ولفت المسؤولون إلى أن ذلك يعتبر انتكاسة لهذه المنظومة الصاروخية التي تستخدم لأول مرة في عمليات قتالية.

وقيل عن مواصفات هذا الصاروخ أن سرعته التي تفوق سرعة الصوت بمقدار 2.6 مرة، مما يقلل من تعرضه للاعتراض والتدمير من قبل وسائل الدفاع الجوي الحديثة، ويزود هذا برأس راداري يوجهه ذاتيا.

كما يمكن للصاروخ التعامل مع 30 هدفا في آن واحد، ويمتاز بنوعين من الرصد، والوضع النشط، ويمكنه رصد الأهداف من مسافة تقدر بين 35 إلى 250 كم، حسب موقع الرادار وحالة الطقس، والوضع السلبي، ويمكنه أيضًا رصد الأهداف من مسافة تقدر بـ 450 إلى 600 كم.

وبناء عليه، فقد بدا أن إسقاط الصواريخ الأربعة التي تتمتع بكل هذه المزايا التكنولوجية، في الأراضي الإيرانية تحديدا، جاء نتيجة تدخل أمريكي وبمثابة رسالة أمريكية واضحة بأن موسكو ما تزال ببداية الطريق في مجال تكنولوجيا التصنيع الحربي الحديث المتطور، وأن واشنطن لن تتسامح مع المنافسين في هذا الميدان.

الأمر نفسه بما ينطبق على حالة الطائرة الروسية “إيل-20” التي تم إسقاطها قبالة الساحل السوري، فهي لم تكن طائرة حربية عادية من ضمن الأسطول الجوي الروسي، وإنما طائرة مصممة لتكون كابينة قيادة عسكرية، تحمل مجموعة من كبار الضباط الروس الذين يقودون ويسيرون ويوجهون العمليات العسكرية من الجو.

والأرجح إذن أن موسكو كانت مضطرة لاتهام اسرائيل بإسقاط طائرتها، لأنها بكل بساطة لا تستطيع الإفصاح عن السبب الفني الحقيقي لسقوطها، ولا كيفية إسقاطها، ولهذا السبب وغيره، فهي لا تجرؤ على اتهام واشنطن، لأنها تخشاها وتتحاشى الصدام معها.

ومع أن إسقاط الطائرة الروسية قد يكون الحدث الأبرز في هذا الوقت، لكن يجب ألا ننسى بأن حماية قاعدة “حميميم” بسوريا، باتت هاجسا يؤرق موسكو، حيث الهجمات غير الاعتيادية ضدها تكاد لا تنقطع، كما أن اتهام روسيا للتنظيمات الارهابية لم يعد يقنع أحدًا.

[ads2]
** تداعيات على موسكو و طهران

رسالتان أساسيتان من واشنطن لموسكو من خلال حادثة إسقاط طائرتها أمام الساحل السوري؛الأولى تتعلق بالسباق في مجال تكنولوجيا التصنيع الحربي، والثانية كي تنأى بنفسها عن إيران حال استهدافها.

أما استهداف المواقع الإيرانية في سوريا، فإنه سيستمر كما صرح وزير الدفاع الاسرائيلي (أفيغدور ليبرمان)، وليس الإسرائيليون وحدهم من يوجه تلك الضربات الحساسة المؤلمة.

فيما جاءت تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بمناسبة عاشوراء، أننا باقون في سوريا، كانت ردا على الاستهداف والضربات الإسرائيلية الأمريكية المتعاقبة والمستمرة.

وخلاصة القول أنه ثمة جهود تبذل لدفع الإيرانيين لارتكاب حماقة بحجم احتلال الكويت، ليخضعوا لنفس العملية الجراحية التي تعرض لها العراق مطلع تسعينيات القرن الماضي.

ومهما تكن الجهة منفذة الهجوم على الحرس الثوري الإيراني، فإن الحادثة تأتي في السياق ذاته، استفزاز إيران تمهيدا لتوجيه ضربة عسكرية ضدها.

كما أن واشنطن التي حشدت أساطيلها وأحدث أسلحتها في منطقة الشرق الأوسط، حيث هي المرة الأولى التي تشارك فيها طائرات F35 الأحدث، حيث يبدو أنها لن تعود إلى مواقعها دون شن حرب محدودة أو واسعة النطاق.

مشاركة الخبر