تشهد نسبة سعر الفائدة في تركيا -خلال السنوات الأخيرة تقلبات مستمرة صعودا وهبوطا، وفي مسار معركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع أسعار الفائدة؛ أعلن البنك المركزي التركي خقض معدل الفائدة الى 18%.
ويرفض أردوغان علنا أسعار الفائدة المرتفعة لاعتقاده أنها تزيد التضخم، وسبق له أن وصفها بأنها “أم وأب كل الشرور”.
ويهدف أردوغان إلى خفض معدل التضخم السنوي إلى أقل من 10% بحلول نهاية العام المقبل 2022، وإلى 5% بحلول الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها عام 2023.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، كانت أرقام الفائدة الرسمية الصادرة عن البنك المركزي بمتوسط 10%، وفي الثمانينيات ارتفعت تدريجيا لتصل إلى 50%، وفي التسعينيات وصلت إلى أعلى نسبها رسميا عند 60%، وعند استلام حزب العدالة والتنمية الحكم بحلول عام 2003 كانت نسب الفائدة 50%.
وفور تسلمه السلطة، بدأ أردوغان -بطرق مختلفة- محاولات لخفض نسب الفائدة، وقد حافظ على معدلها بمتوسط 25% حتى عام 2008، ولاحقا إلى متوسط 15% حتى عام 2012، في حين نجح لأول مرة في إنزال سعر الفائدة لخانة الآحاد عام 2014 بفائدة 9%، وإلى 7.8% عام 2017، وهي أفضل سنوات الأداء والاستقرار الاقتصادي لحكومات العدالة والتنمية.
وبحسب الكاتب الصحفي التركي إسماعيل كايا، فإنه مع تصاعد الاضطرابات في المنطقة، وزيادة تأثيرات الأزمة السورية على الداخل التركي وتعاظم الخلافات والصراعات في المنطقة والتي انخرطت فيها تركيا، ومع حدوث محاولة الانقلاب عام 2016؛ عاد الاقتصاد التركي ليواجه تحديات غير مسبوقة أعادت الاضطراب بشكل كبير إلى أسعار الفائدة والتضخم وتحول منحنى الانخفاض -الذي انتهجه أردوغان على مدار 15 عاما- إلى التذبذب بقوة.
وذكر أنه بعد ذلك اضطر أردوغان إلى رفع الفائدة مجددا إلى قرابة 25% للسيطرة على الانخفاض الحاد جدا في أسعار صرف الليرة التركية.
وخلال تولي صهره بيرات البيرق وزارة الخزانة والمالية؛ أُجبر البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة لمستويات جديدة غير مسبوقة، فبعد أن وصل سعر الفائدة في تركيا إلى 25% تمكن من خفض هذه النسبة إلى أقل من 10% مجددا.
وقد رفع البنك المركزي -في مارس/آذار الماضي من العام الجاري 2021- سعر الفائدة فوق التوقعات بمقدار 200 نقطة أساس، من 17% إلى 19%، أعقب ذلك إعفاء الرئيس أردوغان لناجي أغبال من رئاسة البنك المركزي بعد أقل من 5 أشهر على تعيينه في هذا المنصب، وعين محله الاقتصادي والسياسي شهاب كافجي أوغلو ليكون رابع محافظ للبنك المركزي منذ يوليو/تموز 2019.
وأبقى البنك المركزي التركي -قبل أيام- سعر الفائدة الرئيسي عند 19%، وأشار في بيان إلى أنه يقترب من خفض يُتوقع أن يكون في وقت لاحق من العام.
وقالت لجنة السياسة بالبنك -في بيان عقب اجتماعها الشهري- “سيستمر تحديد سعر السياسة عند مستوى أعلى من التضخم”.
وفي السياق، يقول الباحث الاقتصادي محمد إبراهيم -من جامعة إيجة في إزمير- للجزيرة نت إن الاقتصاد التركي يعاني من معضلة الاختيار بين تحقيق معدل نمو -والذي يكون على حساب تدهور سعر صرف الليرة- أو اختيار استقرار صرف الليرة والذي يكون على حساب الانكماش الاقتصادي.
وأضاف إبراهيم أن أردوغان يسعى للتغلب على هذه المعضلة بدفع النمو الاقتصادي من خلال تخفيض معدلات الفائدة، ولكن في المقابل يؤدي ذلك لارتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر الصرف.
ولفت إلى أن انخفاض معدل الفائدة يفيد السلع تركية المنشأ؛ وبالتالي تصبح لديها قدرة تنافسية أعلى، لكن في مقابل ذلك يخسر الاقتصاد ككل؛ نظرا لأن تركيا تعتمد على الاستيراد، خصوصا للمواد الخام والسلع الوسيطة التي تؤدي إلى تآكل مدخرات المواطنين، وصعوبة في تغطية الالتزامات الخارجية وخاصة سداد الدين بالعملة الأجنبية؛ مما يضيف أعباء إضافية على القطاع الخاص والمؤسسات المقترضة بالعملة الأجنبية.
واعتبر الباحث الاقتصادي في جامعة إيجة تغيير أردوغان لمحافظ البنك المركزي عدة مرات في السنوات الأخيرة محاولة للتأثير على البنك المركزي والدفع نحو تخفيض معدل الفائدة في ظروف غير مواتية.
ويعاني الاقتصاد التركي من تذبذب بالأرقام والمؤشرات الاقتصادية، مع آمال باستمرار نسبة النمو المرتفعة كما العام السابق حين حققت تركيا ثاني أعلى نسبة نمو في مجموعة العشرين بعد الصين.
ويؤدي ضعف الليرة -التي لامست أدنى مستوى على الإطلاق هذا الشهر إلى ارتفاع التضخم عبر واردات تركيا الضخمة، حيث خسرت الليرة نحو 25% من قيمتها، ليضاف إلى تراجعها العام الماضي 2020 عندما هوت من 6 ليرات مقابل الدولار إلى نحو 8.5 ليرات، قبل أن تتحسن قليلا وتعاود لاحقا التراجع.
كما تستمر نسبة التضخم وغلاء الأسعار في تركيا، حيث أظهرت بيانات رسمية ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك (التضخم) في تركيا بنسبة 0.89% في مايو/أيار الماضي، على أساس شهري، ليبلغ 16.59% على أساس سنوي.
المصدر: الجزيرة