تعدّدت آراء المذاهب الفقهيّة في بيان كيفيّة توزيع وتقسيم الأُضحية شرعاً، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:
[١] القول الأوّل: قال الحنفيّة والحنابلة باستحباب تقسيم الأُضحية إلى ثلاثة أجزاءٍ؛ ثُلثٌ للفقراء، وثُلثٌ للمُضحّي، وثُلثٌ للإهداء، وقال الحنفيّة إنّ الأفضل للمُضحّي إن كان مُوسِراً أن يتصدّق بالثُلثَين، ويأكل الثُّلث.[٢]
القول الثاني: قال الشافعيّة بأفضيّلة توزيع الأُضحية على الفقراء والمحتاجين، وأن يأكل منها المُضحّي القليل فقط.
القول الثالث: قال المالكيّة بعدم وجود قِسمةٍ مُعيّنةٍ في توزيع الأُضحية؛ فللمُضحّي الحُرّية الكاملة في تقسيمها، وتوزيعها كما يشاء؛ فيأكل منها ما يشاء، ويتصدّق بما يشاء، ويُهدي ما يشاء، ويوزّع الأضحية على الأقارب.
وقد استدلّ المالكية بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان مولى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ذَبَحَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قالَ: يا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هذِه، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ منها حتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ).[٣]
لا يجوز للمُضحّي أن يبيع الأُضحية، أو يبيع أيّ جزءٍ منها، كالجِلْد وما شابه ذلك، إلّا أنّ أبا حنيفة -رحمه الله- أجاز بَيع الجِلْد للتصدُّق بثمنه، أو لشراء ما يلزم البيت، كما يجوز نقل الأُضحية من البلد الذي ذُبِحت فيه إلى بلدٍ آخرٍ؛ لتوزيعها على أهل ذلك البلد، ولا يجوز إعطاء شيءٍ من لحم الأُضحية للذابح مقابل عمله إلّا إن كان من باب الصدقة، أو المُبادلة بما يُنتفَع به.[٤]
تنوعت أقوال العلماء في حُكم التصدُّق من الأُضحية، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانَهما آتياً:[١] القول الأوّل: قال الشافعيّة، والحنابلة بوجوب التصدُّق من لحم الأُضحية؛ استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)،[٥] وبناءً على ذلك فإنّ الأضحية لا تُجزئ عَمّن لم يتصدّق بأيّ جزءٍ منها.
القول الثاني: قال الحنفيّة، والمالكيّة باستحباب الصدقة من الأُضحية وعدم الوجوب، وأنّ الأمر بالتصدُّق والإطعام من الأُضحية لا يُفيد الوجوب والأمر اللازم؛ وقد استدلّوا على قَوْلهم بأنّ الله -تعالى- شرع الأُضحية؛ قُربةً إليه -سبحانه-، وشُكراً له، فهي ليست كفريضة الزكاة التي شُرعت لعدّة غاياتٍ، منها: التصدُّق على الفقراء والمحتاجين.
وبناءً على قول الحنفية فمَن ذَبَحَ أُضحيةً وأكلها كلّها، ولم يتصدّق منها بشيءٍ جاز له ذلك، وأجزأت عنه، كما أضاف الحنفية بأنّ إلزام المُضحّي بالصدقة لا يُمكن؛ إذ قد يكون في ذلك تضييقاً عليه، ولا يُحكَم به إلّا بدليلٍ قطعيٍّ لا يُعارَض بآخر.
يختلف حكم الأكل من الأضحية بناءً على نوع الأضحية في حال كانت واجبة أم غير واجبة، وبيان حكم الحالتين فيما يأتي:
الأكل من الأضحية غير الواجبة اتّفق العلماء على استحباب أكل المُضحّي من أُضحيته غير الواجبة؛ واستدلّوا على ذلك بنصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة؛ فمن القرآن الكريم قَوْل الله -تعالى-: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[٦][٧]
ووجه الاستدلال من الآية أنّ الله -تعالى- شرع الأكل من الهَدْي، وتُقاس عليه الأُضحية؛ باعتبار أنّ كلاً منهما قُربةٌ من الله -سبحانه-، ومن السنّة النبوية قَوْل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا ضَحَّى أحدُكم فلْيَأْكُلْ من أُضْحِيَتِهِ)،[٨]
وقد اتّفق العلماء أيضاً على استحباب إطعام الآخرين منها.[٧] الأكل من الأضحية الواجبة تعددت آراء العلماء في حُكم أَكْل المُضحّي من الأُضحية الواجبة، كالأُضحية بسبب النَّذْر، على الرغم من اتّفاقهم على استحباب أَكْله من الأُضحية غير الواجبة، وذهبوا في حُكم الاكل من الأضحية الواجبة إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها آتياً:[٧]
القول الأوّل: قال كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة بعدم جواز الأَكْل من الأُضحية الواجبة؛ باعتبارها منذورةٌ على التعيين، وقياساً لها على الهَدْي المنذور.
القول الثاني: قال المالكيّة بجواز أَكْل المُضحّي من الأُضحية الواجبة، وإطعام الآخرين منها؛ وقد استدلّوا بقياس الأُضحية الواجبة على غيرها من الأضاحي الشرعيّة التي يجوز الأَكْل منها؛ فهي مُتَّفِقةٌ في صفاتها مع غيرها من الأضاحي، ولا تختلف عنها سوى في الحُكم؛ وهو الوجوب.
القول الثالث: فصّل الحنفيّة في حُكم الأَكْل من الأُضحية الواجبة؛ إذ يجوز للغنيّ الأَكْل من الأُضحية الواجبة عليه في ذمّته بسبب النَّذْر إن كانت غايته من النَّذْر الإخبار عمّا يجب عليه، ولا يجوز له الأَكْل من الأُضحية الواجبة إن كان النَّذْر ابتداءً، كما فصّل ذلك ابن عابدين من الحنفيّة، وقال الإمام الكاساني منهم: “يجُوزُ بِالإِْجْمَاعِ -أَيْ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ- الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَفْلاً أَمْ وَاجِبَةً، مَنْذُورَةً كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً ابْتِدَاءً”.
تُعرَّف الأُضحية في الشرع بأنّها: ما يُقدَّم لله -تعالى- من الأنعام بشروطٍ مخصوصةٍ، وفي زمنٍ مخصوصٍ، وقد شُرِعت في السنة الثانية للهجرة، وهي السنة التي شُرِعت فيها عدّة عباداتٍ أخرى، كصلاة العيدَين، والزكاة.
وقد ثبتت مشروعيّة الأضحية في كتاب الله تعالى، وسُنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والإجماع، نبين هذه الأدلة على النحو الآتي:[٩] مِن كتاب الله: قوله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)،[١٠] وقوله أيضاً: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ).[١١]
من السنّة النبويّة ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ).[١٢]
كما أنّ الأُضحية ممّا أجمعت عليه الأمّة الإسلاميّة، وهي سُنّةٌ عن نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).[١٣]