كنوز سوريا المدفونة: أحلام الثراء السريع تهدِّد إرثًا حضاريًّا عمره آلاف السنين

في أعماق أراضي درعا السورية، حيث تختلط حكايات الأجداد بأسرار الحضارات الغابرة، يحفر الشاب “ماهر المسالمة” بحثًا عن ذهبٍ يُغيِّر مصير عائلته. ليست أحلامه استثناءً في بلدٍ تتحوَّل فيه المعاول إلى أسلحة تُنقِّب عن الكنوز، وتُهدِّد بإسقاط تراثٍ عريقٍ تحت وطأة الفقر والفراغ الأمني. فكيف تحوَّلت سوريا إلى ساحة صراع بين صائدي الثراء السريع وحُمَاة التاريخ؟
الثراء.. حلمٌ ينهش جذور التاريخ
لم تكن أحلام ماهر بالثراء السريع ضربًا من الخيال، فالأرض في درعا – بحسب روايته – “تختزن ذهب الأجداد الذي وُلدنا فوقه”. لكن أحلامه تتصادم مع قوانين حماية الآثار التي يراها “أداةً لاحتكار النخبة لثروات البلاد”. هذه الرؤية لا تقتصر عليه، بل تُعبِّر عن توجهٍ شعبيٍّ واسعٍ في سوريا ما بعد النظام السابق، حيث تحوَّل التنقيب العشوائي إلى ظاهرة تُرافق انهيار السلطة وانتشار الفقر.
وبحسب ما رصد موقع تركيا عاجل، فإن عمليات الحفر غير القانونية تجاوزت البحث عن الذهب إلى تدمير طبقات أثرية كاملة، مما يُعقِّد جهود التوثيق العلمي للتاريخ السوري.
الفوضى تُغذّي تجارة الظل
مع سقوط النظام السابق، تحوَّلت المواقع الأثرية إلى سوق سوداء مفتوحة. يُؤكِّد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن الفراغ الأمني سمح بانتشار شبكات تنقيبٍ مدعومةٍ تقنيًّا، بينما تُشير تقديرات حكومية إلى سرقة 30% من القطع الأثرية المسجَّلة في أفاميا وتدمر وحدها.
حربٌ على جبهتين: الجوع والتراث
يربط الدكتور “أنس أحمد حاج زيدان” – مدير عام الآثار السوري – بين تفاقم الظاهرة والأزمات الاقتصادية الموروثة: “النظام السابق خلق جيلًا يرى في الحفر خلاصًا من الجوع”. وتكشف الأرقام أن 60% من المضبوطين في عمليات تنقيبٍ هم من المزارعين والعاطلين، ما يُبرِّر – وإن لم يُشرعِن – تحوُّل بعض القرى إلى ورشات حفرٍ ليلية.
دمشق القديمة.. ذهبٌ في جدران البيوت؟
حتى البيوت الأثرية في حي “القيمرية” الدمشقي لم تسلم. يروي “سامر” – أحد السكان – كيف تحوَّلت الجدران الفسيفسائية إلى خراب: “البعض وجد قطعًا ذهبيةً صغيرة، فجنَّ الجميع بحثًا عن الجرَّة الأسطورية”. تُعلِّق المهندسة “نور مراد كدالم” – رئيسة دائرة آثار دمشق – بأن الترميمات العشوائية أصبحت أخطر من الحفر نفسه، مُشيرةً إلى تعاونٍ دوليٍّ لإنقاذ الإرث المعماري الفريد.
خط الدفاع الأخير
رغم الصعوبات، تُحاول الحكومة السورية الجديدة احتواء الأزمة عبر:
– تشكيل فرق طوارئ لمراقبة المواقع الأثرية.
– استخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد لتحديد بؤر الحفر.
– إعادة 40% من القطع المسروقة عبر حدود دول الجوار.
تحديات المستقبل
لا يخفي المسؤولون السوريون قلقهم من استمرار التحديات: فكل حفرةٍ تُهدِّد بإعادة كتابة تاريخ سوريا، وكل قطعةٍ تُهرب تُغذِّي سوقًا عالميةً تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات. يبقى السؤال: هل تُفلح سوريا في إنقاذ تراثها من براثن الفوضى وأحلام الثراء؟
المصدر: تركيا عاجل