سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد: كيف أعادت تركيا رسم المشهد السياسي والعسكري؟

سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد: كيف أعادت تركيا رسم المشهد السياسي والعسكري؟
قالت وسائل الإعلام التركية اليوم، إن سوريا دخلت مرحلة جديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث تمكنت الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع من تجاوز ثلاث محطات مصيرية، وسط تحولات سياسية وأمنية غير مسبوقة، ساهمت في إعادة هيكلة الجيش، وتفكيك بؤر التوتر، وفتح الطريق أمام رفع العقوبات الدولية.
وبحسب ما ترجم موقع تركيا عاجل، نقلاً عن الإعلام التركي، فإن إعادة بناء المؤسسة العسكرية السورية كان من أبرز التحولات بعد انهيار النظام. فقد اندمجت التشكيلات الثورية، التي كانت تنشط منذ أكثر من 13 عاماً، ضمن وزارة الدفاع الجديدة، ما أسس لقيادة موحدة، أنقذت البلاد من خطر الانزلاق نحو حرب أهلية ثانية.
أما على الصعيد الاجتماعي، فقد نجحت الحكومة الجديدة في امتصاص التوترات المتراكمة، ومنع اندلاع أعمال انتقامية، رغم المخاوف الشعبية الكبيرة من تكرار سيناريوهات الفوضى. ورغم محاولة بقايا النظام في مناطق اللاذقية وطرطوس إثارة الفوضى، إلا أن الحكومة تعاملت مع الحدث بحزم، وتمكنت من احتوائه.
أما المفترق الثالث، فكان ملف العقوبات الدولية. إذ كانت سوريا في عهد النظام السابق تخضع لعقوبات تفوق حتى تلك المفروضة على كوريا الشمالية، بسبب قضايا مثل الفساد، واحتكار الاقتصاد، وشبكات تهريب المخدرات. وقد أدى هذا إلى أزمة خانقة، عاش فيها نحو 90% من السكان تحت خط الفقر. لكن رفع العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منح سوريا فرصة نادرة للعودة إلى الخارطة الاقتصادية، وشجع المؤسسات الدولية على المساهمة في إعادة الإعمار.
تركيا.. كلمة السر في إنقاذ سوريا
كان لتركيا دور محوري في عبور سوريا هذه المنعطفات الثلاثة، حيث برز أحمد الشرع كزعيم إجماع لحظة دخول المعارضة دمشق، بدعم من وحدات منضبطة وذات تدريب عالٍ، رغم تفوق الجيش الوطني السوري عدديًا. وقد ساهم الدعم التركي في توحيد هذه الفصائل ضمن هيكلية الجيش الجديد، ما أدى إلى استقرار سريع ومتين.
وتُعد تركيا صاحبة التأثير الأكبر على الجيش الوطني السوري، وهو ما ساعد على تسريع الاعتراف بشرعية القيادة الجديدة. وكان لغياب أي تأثير خارجي آخر، إلى جانب دعم أنقرة السياسي والأمني، دور حاسم في نجاح عملية الانتقال.
وفي محاولة التمرد التي شهدها خط اللاذقية–طرطوس، تشير الأدلة إلى دور إيراني مباشر، تدعمه تصريحات رسمية من طهران، في حين ترجح تحليلات أخرى أن الحملة الدعائية ضد الحكومة جاءت من تل أبيب. وقدمت تركيا دعماً استخبارياً ودبلوماسياً لحكومة دمشق، وساهمت في ضبط الوضع وتوجيهه نحو المسار القانوني.
أما في ملف رفع العقوبات، فقد لعبت تركيا دوراً أساسياً في كسر الفيتو الإسرائيلي عبر تحركات دبلوماسية مباشرة، كما تمكنت من إقناع السعودية، التي كانت مترددة في البداية، بدعم الحكومة السورية الجديدة، وهو ما مهد لإقناع الإدارة الأمريكية آنذاك برفع العقوبات.
شرق الفرات.. التحدي الأصعب
لا تزال منطقة شرق الفرات تمثل التحدي الأبرز أمام الحكومة الجديدة، خصوصاً في ظل الغموض المحيط بمستقبل ميليشيا “قسد/YPG”. ورغم توقيع اتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس، إلا أن التنفيذ يسير ببطء، بسبب معارضة عناصر مرتبطة بجبل قنديل داخل صفوف “قسد”.
ومجدداً، تلعب تركيا دوراً محورياً في هذا الملف، من خلال الضغوط العسكرية التي تمارسها في الشمال، ومساهمتها في تحجيم تنظيم PKK الإرهابي. كما أن التنسيق التركي–الأمريكي في عملية انسحاب القوات الأمريكية، إلى جانب تعيين توماس باراك مبعوثاً خاصاً لواشنطن وسفيراً لدى أنقرة، يعكس جدية المساعي المشتركة لضمان استقرار المنطقة.
وإذا كانت سوريا قد اجتازت التحديات السابقة بدعم تركي مباشر، فإن النجاح في ملف شرق الفرات يبدو ممكناً ضمن إطار التعاون ذاته. ومع تسارع هذه التحولات، تتجه سوريا لأن تصبح دولة فاعلة في إنتاج الأمن الإقليمي، بدلاً من كونها مصدراً للأزمات.
وسيفتح هذا التحول المجال أمام شراكات اقتصادية، وعسكرية، واجتماعية أعمق بين أنقرة ودمشق، خاصة أن مئات الآلاف من السوريين الذين عاشوا في تركيا خلال السنوات الماضية، قد يكونون الجسر الإنساني والثقافي الأقوى في بناء هذا المستقبل المشترك.
المصدر: تركيا عاجل