خطبة الدفاع عن القرآن.. ترجمة خطبة الجمعة في تركيا الى اللغة العربية
التَّارِيخُ:27.01.2023
إِنَّ أَعْظَمَ مُعْجِزَةٍ هُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي قَرَأْتُهَا ، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ” الٓـرٰࣞ كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ بِاِذْنِ رَبِّهِمْ اِلٰى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِۙ…”[1]
فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَرَأْتُهُ ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ.”[2]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ كِتَابَنَا الْعَظِيمَ، اَلْقُرْآنَ الْكَرِيم، هُوَ آخِرُ رِسَالَةٍ إِلَهِيَّةٍ بَعَثَ بِهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى الْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَإِنَّهُ نَصٌّ مُقَدَّسٌ فِي كُلِّ مَجَالٍ لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ مُنْذُ لَحْظَةِ نُزُولِهِ حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَدَلِيلٌ إِلَهِيٌّ فِي الْمَجَالَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْقَانُونِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ، إِنَّهُ أَعْظَمُ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ الْهَائِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُكِنُّهُمَا رَبُّنَا لِعِبَادِهِ، إِنَّهَا أَعْظَمُ مُعْجِزَةٍ لِنَبِيِّنَا الْحَبِيبِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، اَلَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَإِنَّ حُكْمَ الْقُرْآنِ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْهُ وَلَنْ يَتَغَيَّرَ أَبَدًا، لِأَنَّ الْقُرْآنَ تَحْتَ حِمَايَةِ رَبِّنَا بِالتَّدَابِيرِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْبَشَرِيَّةِ، وَوَعْدَهُ حَقٌّ:” اِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”[3].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ يَدْعُو الْبَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ إِلَى الْهِدَايَةِ وَالْخَلَاصِ الْأَبَدِيِّ. وَإِنَّهُ يُعَلِّمُنَا وَاجِبَاتِنَا وَمَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ رَبِّنَا وَبِيئَتِنَا وَالْكَوْنُ بِأَسْرِهِ. وَيَشْرَحُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ الْوَاهِبَةِ لِلْحَيَاةِ . وَيُظْهِرُ طُرُقَ الْمَعْرِفَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَالِ. وَيُعْلِنُ مَبَادِئَ السَّلَامِ وَالْهُدُوءِ وَالْعَدَالَةِ وَالتَّعَايُشِ. وَأَنَّهُ يَأْمُرُ الْإِنْسَانَ بِأَنْ يَعْتَبِرَ شَرَفَهُ وَكَرَامَتَهُ وَحُقُوقَهُ وَحُرِّيَّتَهُ مُقَدَّسَةً.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
لَقَدْ قَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ ، الَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مُرْشِدًا لَهُمْ، أَفْضَلَ الْأَمْثِلَةِ عَلَى الْعَيْشِ مَعَ مُعْتَقَدَاتٍ وَثَقَافَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ عَبْرَ التَّارِيخِ، فِي سَلَامٍ وَطُمَأْنِينَةٍ. وَيُمَارِسُ أَتْبَاعُ الدِّيَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ شَعَائِرَهُمُ الدِّينِيَّةَ بِحُرِّيَّةٍ تَحْتَ إِدَارَةِ الْمُسْلِمِينَ وَحِمَايَتِهِمْ. وَلَقَدْ أَعْطَى رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرِّيَّةَ الْعَقِيدَةِ لِلْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ:”لَآ اِكْرَاهَ فِي الدّ۪ينِ”[4]. فِي الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لَيْسَ هُنَاكَ إِهَانَةٌ لِمُعْتَقَدَاتِ الْآخَرِينَ أَوْ إِيذَاءِ مُقَدَّسَاتِهِمْ. وَجَاءَت فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هَذِهِ النُّقْطَةُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍؕ كَذٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ اُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ اِلٰى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”[5].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْهَجَمَاتِ الْبَشِعَةِ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ فِي الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ لَا تَسْتَهْدِفُ الْمُسْلِمِينَ فَحَسْبُ، بَلْ تَسْتَهْدِفُ أَيْضًا جَمِيعَ الْقِيَمِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلْإِنْسَانِيَّةِ وَالسَّلَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ. وَأَنَّ الْإِسَاءَةَ إِلَى كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ وَمُهَاجَمَةَ الْقِيَمِ الْمُقَدَّسَةِ وَإِنْكَارَ الْحُقُوقِ وَالْقَانُونِ لَا يُمْكِنُ تَطْبِيعُهَا تَحْتَ سِتَارِ الْحُرِّيَّةِ. لَا يُمْكِنُ لِحُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ أَنْ تَجْعَلَ الْإِهَانَةَ لِأَيِّ دِينٍ وَأَعْضَائِهَا يَبْدُونَ أَبْرِيَاءَ. لَا يُمْكِنُ لِلْحُرِّيَّةِ أَنْ تَمْنَحَ أَيَّ شَخْصٍ سُلْطَةَ اِنْتِهَاكِ حُقُوقِ شَخْصٍ آخَرَ. عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ ، تَتَطَلَّبُ الْحُرِّيَّةُ اِحْتِرَامَ مُعْتَقَدَاتِ الْجَمِيعِ وَأَفْكَارِهِمْ، وَمُرَاعَاةِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ وَقَوَانِينِهِمْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ الِاخْتِلَافَاتِ. لِذَلِكَ، مِنَ الْوَاجِبِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ فَقَطْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ أَنْ تَقِفَ ضِدَّ مِثْلِ هَذِهِ الْهَجَمَاتِ الشَّنِيعَةِ عَلَى إِيمَانِنَا وَقِيَمِنَا الْمُقَدَّسَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
أَفْضَلُ رَدٍّ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ ضِدَّ الْهَجَمَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيَمِهِ الْمَجِيدَةِ هُوَ تَعَلُّمُ وَتَمْثِيلُ دِينِنَا الْعَظِيمِ الْإِسْلَامِ بِأَفْضَلِ طَرِيقَةٍ. لِهَذَا، يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ بِجِدٍّ أَكْبَرَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ وَعَيْشِهِ وَالِاعْتِزَازِ بِهِ. يَجِبُ أَنْ نَسْعَى جَاهِدِينَ لِنَقْلِ مَبَادِئِهِ الْوَاهِبَةِ لِلْحَيَاةِ، وَفَهْمَهُ لِلْحَقِّ وَالْعَدَالَةِ، وَرَسَائِلِهِ عَنِ الْحُبِّ وَالسَّلَامِ لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ بِلُغَةٍ حَكِيمَةٍ وَأُسْلُوبٍ جَمِيلٍ. أُنْهِي خُطْبَتِي بِهَذِهِ الْآيَةِ لِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
“يُر۪يدُونَ لِيُطْفِؤُ۫ا نُورَ اللّٰهِ بِاَفْوَاهِهِمْ وَاللّٰهُ مُتِمُّ نُورِه۪ وَلَوْ كَرِهَ الْـكَافِرُونَ”[6].
[1] سُورَة إِبْرَاهِيمْ ، 14 / 1
[2] اَلنِّسَائِيُّ ، كِتَابٌ يُدِينُ 22
[3] سُورَة الْحِجْرِ ، 15 / 9
[4] سُورَة الْبَقَرَةِ ، 2 / 256
[5] سُورَة الْأَنْعَامِ ، 6 / 108
[6] سُورَة الصَّفِّ ، 61 / 8
اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّة