اليورو ينخفض لأدنى قيمة له مقابل الدولار منذ العام 2002 ! فهل اليورو انخفض أم أن الدولار ارتفع؟

اليورو ينخفض لأدنى قيمة مقابل الدولار منذ العام 2002 حيث أصبح 1 يورو= 0.97 دولار ! فهل اليورو انخفض أم أن الدولار ارتفع؟

تراجعات كبيرة في العملات العالمية لم تشهدها منذ عشرين عام! وارتفاع حاد للدولار الأمريكي ،فماالذي يحدث؟.

قبل أكثر من عامين وتحديداً مع بداية عام 2020 شهد العالم ظهور فايروس كورونا وماهي إلا أشهر ليتحول هذا الفايروس إلى وباء اجتاح العالم، وانتشر فيه كالنار في الهشيم لتسارع دول العالم إلى اتخاذ إجراءات قاسية وفرض قيودٍ على التنقل ليصل الأمر إلى حظرٍ شامل أغلقت على إثره المصانع والشركات والمطارات وخسر كثير من الموظيفين أعمالهم.

مما أدى إلى انخفاض معدلات الإنتاج بشكل حاد وتراجع التجارة الخارجية بين الدول. لتبدأ أزمة اقتصادية لا تقل خطورة عن جائحة كورونا.

مما اضطر البنوك المركزية حول العالم وفي مقدمتها الفدرالي الأمريكي إلى التدخل ومحاولة تعويض الأضرار والتقليل من الآثار التي رافقت الحظر وإنقاذ الشركات والمصانع المتعثرة ودعم الأسواق المالية لمنعها من الإنهيار.

حين إذٍ بدأ الفدرالي الأمريكي بتنفيذ خطة إنقاذ تقوم على مبدأ يسمى التيسير الكمي و يسمى أيضاً بتسهيل السياسة النقدية والتي تعني ضخ المزيد من الأموال في قطاعات الإقتصاد المختلفة عن طريق تسهيل القروض للبنوك والشركات وحتى الأفراد وتخفيض معدلات الفائدة.

ليتم عندها ضخ أكثر من 4 ترليون دولار في الإقتصاد الأمريكي لتنفيذ خطة الإنقاذ التي أقرها الفدرالي.

وهنا نتسائل هل هذا جيد مالذي حدث بعد ذلك؟

ساهمت هذه السياسة بالتقليل من الأثار الإقتصادية السلبية التي رافقت جائحة كورونا.

ولكنها من جهة أخرى كانت تنبأ بتضخم عالمي كبير في الأسعار نتيجة ضخ الكثير من الأموال في تلك الأثناء ومع استمرار الفدرالي الأمريكي في ضخه الأموال.

شهد مؤشر الدولار الأمريكي الذي يقيس قوة الدولار أمام العملات العالمية تراجعات حادة لينخفض إلى مستوى 90
ويرتفع اليورو إلى 1.25 يورو مقابل الدولار الواحد ويرتفع الجنيه الإسترليني إلى 1.35 جنيه مقابل الدولار الواحد.

وهنا نلاحظ أن زيادة كمية الدولار في السوق الأمريكي بسبب السياسة النقدية التي اتبعها الفدرالي أدت إلى تراجع في قيمة الدولار وإلى ارتفاع في قيمة العملات الرئيسية الأخرى وفي مقدمتها اليورو والجنيه الإسترليني.

مالذي يحدث الأن؟

مع حلول منتصف عام 2021 بدأ العالم يتعافى من جائحة كورونا وبدأت الحياة تعود تدريجياً الى دول العالم وبدأت الشركات والمصانع تعود للعمل بالتدريج وارتفعت معدلات التجارة بين الدول لتبدأ الأسباب التي جعلت الفدرالي الأمريكي يضخ كميات كبيرة من الدولار في الإقتصاد تتلاشى شيئاً فشيئاً، وبدأ الإقتصاد الأمريكي يتعافى من آثار جائحة كورونا حاله حال جميع اقتصاديات العالم التي بدأت بالتعافي من تلك الآثار أيضاً.

في نهاية عام 2021 والعالم يتجهز لإستقبال عام 2022 من دون كورونا.

هنا بدأ الفدرالي الأمريكي بالتخطيط لمواجهة التضخم الذي حدث بعد ضخه الكثير من الأموال في الإقتصاد.

والخطة تقوم على مبدأ واحد هو سحب السيولة التي تم ضخها في الأسواق مع ظهور جائحة كورونا اي سحب كميات الدولار الضخمة من السوق الأمريكي الأمر الذي سيؤدي إلى خفض معدلات التضخم .

ليبدأ الفدرالي مع مطلع عام 2022 رفع معدلات الفائدة التي وصلت إلى 3.50% وبدأ بتقليص القروض الممنوحة للبنوك والشركات مما ساهم في ازدياد الطلب العالمي على الدولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في مؤشر الدولار الأمريكي ليصل إلى 113 وهو رقم لم يصله منذ أكثر من عشرين عام.

ان ازدياد الطلب على الدولار قابله نقص في الطلب على اليورو  والجنيه الإسترليني الأمر الذي ساهم في تراجع كبير في سعر اليورو ليصل الى0.9810 يورو للدولار الواحد وهو مالم يصله منذ عشرين عام ايضاً، ليصبح سعر صرف اليورو في سوق العملات اقل من سعر صرف الدولار ،ولمن لا يعلم فإن العلاقة بين سعر الدولار وسعر اليورو هي علاقة عكسية اي ان صعود الدولار يقابله هبوط في اليورو وصعود في اليورو يقابله هبوط في الدولار .

ووصل سعر صرف الجنيه الإسترليني (عملة بريطانيا) إلى 1.1100 دولار وهي أرقام لم يصلها منذ سنوات.

ان ما تشهده أسواق العملات من تراجع في قيمة اليورو والجنيه الإسترليني والدولار النيوزلندي والين الياباني وغيرهم هو بالحقيقة نتيجة إرتفاع كبير في قيمة الدولار الأمريكي.

إعداد وكتابة:
محلل الأسواق المالية سعود الرحبي